بؤر الصراعات المتفجرة في منطقتنا؛ لا تخلو من الاستخدام السياسي للأفكار الدينية المتشددة، وأهم عامل من عوامل إشعال التوتر هو الصراع السياسي الذي يستغل الدين لتحقيق مصالح ضيقة ومؤقتة!
استمعت إلى خطاب ثوري لأحد أعمدة النظام الإيراني وهو يتحدث عن إحدى الدول الخليجية وكأنه يتحدث عن ولاية إيرانية، ثم يهدد بقية الدول الخليجية بأنها يجب ألا تقف في وجه مشروع إيران العظمى وإلا فإن العرب سينحسرون إلى مكة كما كانوا قبل ألف وخمسمئة عام!
هذا الأسلوب الاستعدائي الذي يعيد إلى الأذهان الأسلوب الاستعماري الأوروبي في القرن الماضي لا يختلف كثيرا عن أسلوب هتلر أو ستالين العنيف! وكأنه مفروض علينا أن نمر بنفس المرحلة التي مرت بها أوروبا في القرن الماضي.
كثيرا ما أحاول أن أرسم الخارطة الجيوسياسية في المنطقة بعد عشرين أو ثلاثين عاما من الآن، وعندما أستحضر تلك الأيديولوجيات المكارثية المتشددة في المنطقة؛ فإن الصورة تبدو قاتمة!
لا شك لدي أن الفكر المتشدد لا ينحصر في أتباع دين محدد، بل هو مزيج من الحالة المعرفية والعقلية والسياسية والمادية..إلخ، وكثيرا ما يدفع الفكرُ المتأزّمُ العقلَ إلى الجمود والتوقف عن العمل بسبب تلك الأفكار المتأزمة التي تشبّع بها جهلا أو عجزا عن الإدراك والاستيعاب!
أعتقد أنه بسبب تأخر الحضارة على منطقتنا، وبسبب ضعف التواصل الحضاري قديما بين شعوب المنطقة خصوصا بين العرب والفرس حدث مزيد من التأزم في الخلافات التي تبدو وكأنها دينية بحتة، وهي لا تخلو من العامل السياسي الذي ينفخ فيها أو يطفئها. هذا التأخر الحضاري أدّى للتأخر في إدراك أهمية السلم والتعاون وضرورة اللجوء لهما.
وباستعراض بؤر الصراعات المتفجرة في منطقتنا؛ نجد أنها لا تخلو من الاستخدام السياسي للأفكار الدينية المتشددة، بدءا من العراق وسورية ولبنان وانتهاء باليمن، فإن أهم عامل من عوامل إشعال التوتر هناك هو الصراع السياسي الذي يستغل الدين لتحقيق مصالح ضيقة ومؤقتة!
أريد أن أعيش في أحلام وأتخيل لو أننا عربا وفرسا وجدنا أفقا للتعايش والتعاون كما هو الحال في أوروبا؛ كيف ستكون حالتنا؟ وكيف سيكون الوزن الاقتصادي والسياسي للمنطقة؟
في منطقة هي من أثرى المناطق في العالم بالثروات الطبيعية إن لم تكن هي الأولى! وفي منطقة تقع في مكان استراتيجي يمكن أن يكون القلب النابض للعالم اقتصاديا وعلميا وثقافيا، وفي منطقة هي الأعلى في نسبة النمو السكاني، لا يمكن لي أن أتخيل تلك القوة الجبارة التي ستتكون في المنطقة لولا أننا تجاوزنا خلافاتنا التي يصل تاريخها إلى أكثر من ألف قرن!
كم هي الأموال الضخمة التي تصرف بسخاء في تلك الصراعات والنزاعات وما تخلفها من دمار؟ فضلا عن الدماء والأوقات التي تُزهق في تلك المعارك! ثم ما يتبعها من ظلم وآهات وأزمات لها أثرها السيئ على الأجيال كلها! بل بدأنا نصدر صراعاتنا إلى كثير من الدول في العالم، وكلما انفتح جرح في العالم الإسلامي انطلقت الصراعات كالأفاعي لتطارد الضحايا هناك وتجلب لهم مزيدا من الأزمات والمشاكل!
لا أريد أن ألقي باللوم على أحد، ولكن يجب أن نعترف أن هناك فلسفات وسفسطات تسكب الزيت على النار بزعم أنها من عند الله وهي العائق الأكبر للوصول لأي حل! ولو دققنا البحث أكثر لوجدنا أن ثلة مستفيدة تؤلب الناس وتستلب عقولهم، دون أدنى إدراك لأبعاد ذلك التأليب والنفخ في النار!
ومع كل هذا البيان؛ إلا أن الوقوف في وجه هجوم الآخر المعتدي وتجييشه لأتباعه أمر ضروري، بل نشر الدين الذي نعتقد أنه الإسلام الصافي من أهم الواجبات التي يجب أن تكون أول أهدافنا ورأسها. ومن الأمانة التي وضعها الله على عواتقنا أن نقف في وجه كل من يحاول تشويه ديننا وتضليل إخواننا في أي مكان، ولكن الحديث هنا للفئة المدركة المخلصة بأنه يجب أن نتوقف جميعا عن الصراع ونلجأ للحوار والتصالح! لماذا لا ننظر -سنةً وشيعةً- إلى حلف الفضول الذي كان في عصر الجاهلية قبل الإسلام وأقرّه الإسلام بعد ذلك؟ ليس من شرط التعاون والتصالح أن نكون على ملة واحدة أو منهج واحد! ولماذا لا نقرأ إلا الجانب المظلم من تاريخنا؟ ولا نجيد إلا تكرار السواد في سرده ومن ثمَّ إعادة تطبيقه؟
أعلم أن الخطاب الثوري بالنفخ على تلك النقاط المتأزمة أخّاذ، وهو أسهل طريق لجلب الأنظار، وربما يظهر أحدهم كالمنقذ الأوحد وهو يفترس ذلك المتأزم الآخر، ولكن والله هذا لا يصب إلا في مزيد من حفر النار المنتشرة في منطقتنا، والعدو لا يملك إلا التصفيق لنا ونحن يقتل بعضنا الآخر!
ألا يمكن لنا أن نرى الشفق يظهر في الأفق؟ أم أن هذا مكتوب للأجيال القادمة التي قد تدركه يوما ما؟