أن تكون إعلامياً أو كاتباً أو شاعراً أو فناناً أو أي شيء، ولستَ مع الجماعة قلباً وقالباً؛ فتلك عند الجماعة مصيبة. وتكون المصيبة أكبر لديها إن أعلنتَ موقفك بأنك ضد فكر الجماعة وسياستها، وهنا عليك أن تكون حذراً في كل حركاتك وسكناتك وعباراتك وخطواتك لئلا يستغل أحد المنتمين إليها شبه زلة أو عثرة منكَ، فيجرجرك في المحاكم بتهم شتى تبدأ بالإساءة إلى الدين – حتى وأنت تحترمه وتقدسه – وتنتهي حيث لا تدري...
الجماعة هي الإخوان المسلمون، وما سبق هو حال الوسط الثقافي والفكري في مصر هذه الأيام حيث يُستغرب الوضع الذي آلت إليه الأمور، فـالإخوان احتكروا الدين وصادروا الحريات باسمه، وبات على من يقرأ آية قرآنية في برنامج ما أن يخشى من تأويل إخواني لحركة يده وتعابير وجهه فيعتبر ذلك استهزاء وإساءة، ومن مثّل فيلماً ذات يوم يجب أن يسترجع شريط ذاكرته حتى لا يقاد إلى المحكمة بتهمة جاهزة.
غير المنطقي في دولة ذات إرث عريق أن تقبل المحاكم العادية دعاوى الإخوانيين في قضايا تتعلق بالكتابة والإعلام، والمفترض أن يكون هناك فرع في وزارة الإعلام لتلقي تلك الدعاوى، غير أن سطوة الإخوان على ما يبدو أقوى، فسيروا الأمور وفق ما تقتضيه مصالحهم ورغبتهم في فرض الوصاية على الناس.
إشكالية الجماعة أنها في حالة ذهول من التغيير الذي حدث، وكونها أصبحت تدير أمور بعض الدول بعد عقود من تعرضها للملاحقة والقمع جعل كل من ينتمي إليها يشعر أنه هو الحُكم ذاته، فبات أحدهم يسعى لأن يحرف المسارات طبقاً لهواه. كل ذلك أدى إلى غليان الشارع من جديد، ذلك الشارع الذي يدفع ضريبة خياره الديمقراطي، فلولا ذلك الخيار لما صار أصغر فرد في الجماعة يعتقد أنه قادر على سحب جيش من المبدعين إلى المحاكم، وربما تجاوزت خيالاته أكثر، فظن أنه قادر أيضاً على تحديد العقوبة المناسبة لكل منهم.
الديمقراطية أمر جيد، وهي مسعى تهدف إليه مختلف الدول ضمن توجهاتها لتكوين مؤسسات المجتمع المدني، أما لو نظرنا إلى واقع أتى إليه الإخوان المسلمون في دولة تتمتع ولو بحد لا بأس به من تلك المؤسسات، فإن المسألة تقود إلى خلل في البنية الديمقراطية. وحين تهمّش النخبةُ الحاكمة باقي فئات الشعب بمختلف خياراتها وآرائها، فإن الديمقراطية تكون قد هوت بل تلاشت مع نظرة ضيقة يسعى أصحابها لاحتكار كل شيء ولا يضيرهم لأجل الغاية لو استخدموا القمع، ولو تفاقم الأمر أكثر فربما سيواجه الربيع بربيع عاصف آخر يقتلع الأول من جذوره، ويعيد البناء بما يقتضيه العصر.