نجاح القمة يتطلب تضافر جهود أمتنا العربية في وضع خطط مدروسة ومحكمة لتنفيذ قراراتها المصيرية ومراجعة اتفاقياتها الاستراتيجية

عالم الغد لن يكون مثل عالمنا اليوم. القرية الكونية التي نعيش عليها أصبحت تحتوي على 67 تكتلا دوليا، لتقسم العالم في المستقبل إلى 4 محاور متنافسة. المحور الأول يضم تكتل دول أميركا الشمالية والجنوبية ويشكل نسبة 33% من إجمالي الاقتصاد العالمي، لينافسه محور دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 32%، بينما يضم المحور الثالث تكتل دول شرق وجنوب آسيا بنسبة 23% من الاقتصاد العالمي. أما النسبة المتبقية 12% فسوف تكون من نصيب المحور الرابع الذي يتكون من الدول الأفريقية الفقيرة ودول الشرق الأوسط المتناحرة التي أخفقت في إنشاء تحالفاتها الاقتصادية وشراكاتها التجارية.
في عصر العولمة استحقت السعودية بجدارة مركز الثقل العربي لأنها الدولة العربية الوحيدة المشاركة في مجموعة العشرين، ولكونها تشكل 26% من قيمة الاقتصاد العربي، وتتربع المرتبة الأولى بين الدول العربية في الناتج المحلي الإجمالي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والمركز 11 والمرتبة 16 في حجم الصادرات والواردات العالمية.
وفي قريتنا الكونية اليوم 22 دولة عربية، تم تصنيف 50% منها بالدول الفقيرة الأقل نموا ونصفها الآخر بالدول النامية. يقطن العالم العربي 5% من سكان المعمورة، 33% منهم يعيش تحت وطأة الفقر، و25% منهم يعاني من الجهل، و20% منهم يرزح تحت عبء البطالة. وتأتي البطالة في مقدمة هذه التحديات، حيث فاقت نسبتها في وطننا العربي أعلى المعدلات الدولية وتتزايد سنويا بمعدل 3%. فسكان العالم العربي الذي تجاوز اليوم 340 مليون نسمة، سيرتفع إلى 482 مليون في عام 2025، لتصل نسبة من هم دون سن الخامسة والعشرين إلى 60%، مما يتطلب ضخ 150 مليار دولار من الاستثمارات ورفع معدل النمو الاقتصادي من 3% إلى 7% لتوفير 100 مليون فرصة عمل جديدة لمواكبة هذه الزيادة السكانية ومواجهة مشكلة تفشي البطالة.
وتأتي آفة الفقر في المرتبة الثانية، حيث أكدت إحصاءات منظمة الأمم المتحدة أن أكثر من 100 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وذلك بسبب تفشي وطأة الفساد وفشل الخطط التنموية والاقتصادية. أما الأحوال الصحية فتأتي في المرتبة الثالثة من هذه التحديات، حيث اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن الأمراض غير السارية في العالم العربي تعيق التنمية المستدامة، لتشكل أمراض القلب والرئة والأوعية الدموية والسكري والسرطان 50% من الوفيات بين الشعوب العربية.
ولعل تزايد الفجوة الغذائية والمائية هي أيضا من أهم التحديات التي تواجه العالم العربي، حيث فاقت الفاتورة الغذائية العربية في العام الماضي 47 مليار دولار، وانحسرت الأراضي الزراعية المستغلة في الوطن العربي بنسبة 5% سنويا نتيجة سوء استخدامها الجائر وزيادة وطأة تصحرها. أما على صعيد المياه فإن 20% من الشعوب العربية لا تتوفر لديهم المياه الصالحة للشرب، ولا تزيد نسبة الذين يستخدمون الصرف الصحي المأمون عن 32% من السكان. وتعتبر ندرة المياه وسوء استغلالها وهدرها من أهم العوامل المؤثرة في وفرة المياه بالوطن العربي، فبينما تضم المنطقة العربية أكثر من 5% من سكان العالم فإنه لا يتوفر لشعوبها سوى 1% من الموارد المائية العالمية المتجددة.
وما زال الجهل المتفشي في الوطن العربي من أسوأ الآفات المزمنة، حيث أشارت إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) إلى ارتفاع مخيف لعدد الأميين العرب إلى الضعف في العقد الماضي، لتفوق هذه النسبة ضعف مثيلتها على الصعيد العالمى. ورغم إعلان المجموعة العربية عن تبني استراتيجية محاربة الأمية على المدى القصير لتخفيضها بنسبة 20% في 2010، ثم القضاء عليها في 2015، وذلك من خلال توفير التعليم لمليون مواطن أمي كل عام، إلا أن هذه الخطوات فشلت فشلا ذريعا كغيرها من الخطوات الاستراتيجية العربية غير المدروسة لعدم تأهيلها ومتابعة تنفيذها وتطويرها.
وفي التبادل التجاري، أخفقت اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في تخفيض الرسوم الجمركية تدريجيا على التجارة البينية في الدول الأعضاء التي وقعت عليها في عام 1997. لذا فشلت هذه الدول العربية في زيادة حجم التبادل التجاري بينها، وتراجعت تجارتها الخارجية بنسبة 51% لما كانت عليه قبل الاتفاق، لتتساوى بهذا المستوى المؤلم مع التجارة الخارجية لكل من الدول الأفريقية ومجموعة الدول الأقل نموا.
من المسلمات أن جميع دول العالم، بما فيها الدول العربية، تعيش حاليا عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي والتجاري والثقافي. وبظهور التكتلات الاقتصادية العالمية والشراكات الاستراتيجية الدولية، أصبحت الدول العربية غير قادرة على العيش في عزلة وانغلاق عن دول العالم المحيط بها، خاصة بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية وتطبيق أحكام اقتصاد السوق القائمة على قوى العرض والطلب، وتشجيع القطاع الخاص على تأدية دوره ليكون أكثر فاعلية في التنمية. إلا أن المشكلة الرئيسية التي تواجه قمة الرياض، كغيرها من القمم العربية، تنحصر في غياب الإدارة التنفيذية للقمة وتراجع آليات تفعيل قراراتها لتحقيق الأهداف المرجوة للشعوب العربية في المجالات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية في ظل المتغيرات العالمية.
نجاح قمة الرياض يتطلب تضافر جهود أمتنا العربية في وضع خطط مدروسة ومحكمة لتنفيذ قراراتها المصيرية ومراجعة اتفاقياتها الاستراتيجية، حتى لا يسرقنا الوقت في عصر التكتلات العالمية.