لا بد أن يكون الوقف وإسهامات رجال الأعمال في الأعمال الخيرية والتطوعية ذراعا مساندة لدعم المجتمع إلى جانب الحكومة، وعلى رجال الأعمال والبنوك الأهلية إبراز جانب العطاء وإظهار جانب الامتنان لهذا الوطن
كيف يمكن لنا أن نتمكن من تعزيز هوية العمل الخيري والتطوعي في نفس المواطن، وتنويع المصادر والقنوات التي ينصرف إليها العمل الخيري في الأوقاف والصدقات الجارية؟ خاصة إذا أدركنا أن الناس في بلادي من أكثر البشر دفعاً للصدقات وزرعاً للأوقاف، ومشاركة في التخفيف عن الغير من مخلفات الزلازل والفيضانات، وفي هذا تعبير عن وجود البذرة الصالحة للبذل والعطاء، ولهذا فهم يستجيبون للدعوات التي تردهم من جانب ولي الأمر أو من جانب العلماء.. لكن المشكلة في التضييق في مجالات العمل الخيري، وكذلك في فهمنا للدين وتضييقنا على أنفسنا واختيار زاوية صغيرة جداً للإسهام بما تجود به أنفس الناس والاقتصار عليها.. فقد تركز العمل الخيري التطوعي عندنا في بناء المساجد الكبيرة والصغيرة. وإذا كان ذلك مقبولاً قبل ثلاثين عاماً للقلة فإنه يكاد يصبح في الآونة الأخيرة محذوراً للكثرة الكاثرة التي صارت منتشرة بما قد يستدعي تفرق أهل الحارة والمتجاورين، ويفقد الجامع خاصية جمع الناس وتعارفهم، وما يبنى من طرف الأهالي ليس إلا من باب السعي للأجر والمثوبة، ولا تبرره الحاجة، وكان وما زال الواجب على علمائنا أن يتولوا إدارة دفة العمل الأهلي الخيري بما يسد نقص احتياجات المجتمع.
لقد قرأت منذ فترة مقالا جيداً في هذا الخصوص للزميل تركي الدخيل يدعو فيه إلى توجيه دفة العمل التطوعي الخيري إلى بناء المستشفيات، مبرراً كون الحاجة لبناء مستشفى أولى وأجدر.. وهذا بصراحة هو عين العقل. وعلى أعضاء هيئة كبار العلماء تبيان عظم الأجر لأرباب المال في بناء المرافق الخدمية (مستشفيات، دور إعاقة، مدارس، مراكز بحثية)، والتي تمتد لها حاجة الناس في القرى والمدن الصغيرة على نحو يدفع المئات للتقاطر على مستشفيات المدن الكبيرة بسبب ندرة وقلة توفر المصحات. وحتى رغم أن هناك من يقول إن وزارة الصحة تقيد هذه الخطوات عبر كثير من البيروقراطية التي تحد من إقدام رجال الأعمال على دعم القطاع الصحي إلا أن هذا العذر ليس حجة، فلو تحول هذا الأمر إلى هدف جماعي عند رجال الأعمال فإن الحاجة ستنشأ لإيجاد لجان أو إدارات مختصة في هذا الجانب من العمل الخيري. والحديث هنا لا يقتصر على المستشفيات، لكنه عن عموم العمل التطوعي الخيري وإسهام القادرين فيه بدلا من تسخير أموالهم في جزئية واحدة، وهي بناء المساجد فقط، خاصة أن الأرض قد جعلت لنا مسجداً وطهوراً. وفي نفس السياق هناك ضرورة لبناء المدارس النموذجية، وإنشاء الحدائق والمتاحف العلمية والمكتبات الأهلية... إلخ.
وأعتقد بضرورة أن يكون هناك دور للغرف التجارية في هذا الخصوص، بحيث تتشكل لجان تختص بالبحث عن النواقص في المجتمع والتنسيق في هذا الشأن مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي يقع عليها ـ بحسب فهمي ـ دور بارز في توجيه العمل الخيري وتنويع مساراته، ثم عرض النتائج على رجال الأعمال من الذين يرغبون في تسجيل أوقاف وصدقات جارية، والسعي إلى تنويع العطاء وحصر احتياجات القرى والمدن الصغيرة ثم عرضها على أرباب المال، فليقدم أحدهم الأرض مثلا ويتكفل الآخر بالمبنى والثالث بالتجهيزات.. وهكذا، بحيث تتولى الدولة تشغيله بعد انتهائه كحالها مع المساجد.
لا بد أن يكون الوقف وإسهامات رجال الأعمال في الأعمال الخيرية والتطوعية ذراعاً مساندة لدعم المجتمع إلى جانب الحكومة، وعلى رجال الأعمال والبنوك الأهلية إبراز جانب العطاء وإظهار جانب الامتنان لهذا الوطن مقابل ما حازوا عليه من امتيازات وتسهيلات وأموال. وكما أنك تأخذ فعليك أن تبذل وتعطي للوطن وأهله، وكما أن رجال الأعمال ينمون مدخلاتهم فعليهم تنمية آخرتهم بمخرجات العمل الخيري، وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.