الأمهات اللواتي أتحدث عنهن لم يمنعهن ظالم أو متعد عن ممارسة أمومتهن، ولم يحرمن منها لسبب خارج عن إرادتهن! ولم يبتعدن عن أبنائهن ابتعادا قسريا لا حيلة لهن فيه، ولكنهن وبكامل إرادتهن اخترن الابتعاد عن

الأمهات اللواتي أتحدث عنهن لم يمنعهن ظالم أو متعد عن ممارسة أمومتهن، ولم يحرمن منها لسبب خارج عن إرادتهن! ولم يبتعدن عن أبنائهن ابتعادا قسريا لا حيلة لهن فيه، ولكنهن وبكامل إرادتهن اخترن الابتعاد عن ملكوت الأمومة، وحرمان أنفسهن من تفاصيل صغارهن، وذلك بإلقاء كافة مهام وتبعات الأمومة على الخادمات! والأمومة لا تعني بالنسبة لهن أكثر من اسم بلا مضمون ولا معنى ولا مسؤولية ولا التزامات، وتتجلي في حمل الطفل لدقائق والاستمتاع به حينما يكون هادئا رائق المزاج، ثم رمي الجمل بما حمل للخادمة (حمّالة الأسية)، وعلى الأخيرة كافة المهام الأخرى من إطعام وإلباس واستحمام وهدهدة وعناية! ناهيك طبعا عن المهمة الأهم والأخطر وهي تربية الطفل في المرحلة الأهم من حياته وهي الطفولة المبكرة، ولعب الدور الأكبر في مكونه النفسي والوجداني في هذه المرحلة الدقيقة من العمر!
للأسف صرنا نلاحظ وجود هذه الفئة من الأمهات في مجتمعاتنا منذ أن فتحت الأبواب على مصراعيها لاستقدام العاملات المنزليات وأصبحت العمالة الأجنيبة والشرق آسيوية -على وجه الخصوص- مجتمعا خفيا داخل المجتمع؛ له خصائصه وسماته وأمراضه وتأثيراته القريبة والبعيدة المدى على المجتمع السعودي! ولا تقتصر هذه الفئة على الأمهات الصغيرات اللواتي مازلن يتهجين أبجديات الأمومة، ولكنها موجودة في أمهات بمختلف الأعمار، ولعلنا نجدها أكثر ما نجدها في الأمهات المتفرغات للبيت واللواتي يبدأ يومهن عادة بعد الساعة الثانية ظهرا!
والخادمة الشاطرة -ومعظمهن كذلك- هي التي تضع ربتها على كفوف الراحة، وتقيدها بخيوط غير مرئية من القيود الناعمة، وتخدرها بالدعة والكسل وحمل المسؤولية من الألف للياء، وكنتيجة، توكلها المرأة كل شيء حتى مهمة تربية الأطفال بالكامل! وهنا حدث ولا حرج عن العادات السلوكية السيئة المكتسبة من ثقافات نجهل عنها أكثر مما نعرف، ومن تلقين الأطفال ما لا ينسجم ويتواءم مع قيمنا! وتشويه الذائقة الجمعية للأطفال فيصبح معظمهم مدمنين على الأطعمة الفقيرة غذائيا والمشبعة بالمواد المصنعة (كالإندومي وملحقاته) من الأطعمة! والمصيبة العظمى تكمن في تفريغ بعضهن لطاقتهن الجنسية المكبوتة في الأطفال والتحرش بهم في ظل غياب كامل للأم التي قررت أن تكون أما مع وقف التنفيذ! وكلنا سمعنا قصصا من هذه النوعية حينما تتكشف الأم - بعد أن تقع الفاس في الراس - ما تفعله الخادمة بطفلها الصغير من انتهاك للبراءة مسببة له جروحا نفسية عميقة لا يمكن اندمالها ، قد تشوه حياته الجنسية طوال العمر!
والمؤلم أنه في ثقافة تقدس الإنجاب، ولا ترى فيه قرارا اختياريا واعيا يقتضي الإدراك الكامل للتبعات والمسؤوليات، بل تتعامل معه كإلزام لا يمكن استقامة الحياة الزوجية دونه، وتحشر أنفها في حياة الزوجين في حال تأخره! وتجاهد المرأة وتستميت لكي لا تحرم من نعمته، يتم التعامل مع الإنجاب باستخفاف ولامبالاة غريبتين، وكله بالبركة وبالنوايا الحسنة حتى تربية الأطفال وتنشئتهم!
الإنجاب قرار خطير تتغير معه حياة الزوجين بالكامل، ويقتضي مساءلة كل منهما لنفسه كل يوم وليلة عن أدائهما كأبوين، فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته!