أهم القضايا التي يواجهها القطاع الخاص العربي هي وضع الاستثمارات العربية في بعض دول الربيع العربي والتي تواجه معوقات ضخمة سواء في بعض اقتصاديات تلك الدول أو تغيير بعض الأنظمة واللوائح الاستثمارية

الاقتصاد والسياسة عنصران متلازمان ولا يستقر أحدهما بدون الآخر. وهذه حقيقة على أرض الواقع الذي نراه ونتابعه وليست نظريات أكاديمية، فالاستقرار السياسي أساسه الاستقرار الاقتصادي الذي يضمن انخفاض نسب الفقر وانخفاض نسب البطالة ويحافظ على توازن القدرة الشرائية للسلع الأساسية مع دخل الفرد والأسرة. وإذا تغيرت هذه التوازنات ستحدث اختلالات في الاستقرار السياسي.
وأجزم بأن معظم الاضطرابات العربية في السنوات الماضية كانت أسبابها الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه بعض الشعوب العربية نتيجة السياسات الاقتصادية غير الناجحة ونتيجة الفساد المالي والإداري والذي يؤثر على هيكلية توزيع الثروات مما يسهم في تباعد المسافات بين طبقات المجتمع. وانطلاقا من اهتمامات القيادات العربية، تبنت دول الخليج المبادرة في الدعوة إلى عقد القمم الاقتصادية بالتنسيق مع جامعة الدول العربية، وبالتعاون مع القطاع الخاص ممثلا في اتحاد الغرف العربية واتحادات ومجالس الغرف العربية الممثلة للقطاع الخاص في العالم العربي.
وبرغم الاستعدادات الكبيرة التي بذلت في السابق، والتوصيات العظيمة التي أخذتها القمم الاقتصادية السابقة، إلا أنه ـ وللأسف الشديد ـ لا وجود لها وليس لها أثر إيجابي واقعي على شعوب الدول العربية.
وكما صرح أحد المسؤولين الكبار في جامعة الدول العربية بأن حجم الإنجازات الاقتصادية التي تحققت من خلال القمم العربية الاقتصادية تساوي (صفر) في المئة، برغم أنها على الورق 100%، ولم ينجز منها سوى دراسات الجدوى المبدئية للربط الكهربائي العربي، علما بأن حلم الوحدة العربية الاقتصادية وحلم السوق العربية المشتركة حلم قديم قبل القمم الاقتصادية، وهو حلم للمواطن العربي قبل القطاع الخاص العربي نظرا لإيجابياته في تحقيق انخفاض لتكلفة المعيشة في جميع مناشط الحياة نظرا إلى وجود الاستثمارات العربية التي تسهم في تنمية اقتصاديات الدول العربية وتعمل على خلق فرص عمل.
إلا أنه وللأسف الأحلام القديمة تبخرت وما زلنا نحلم بتطبيق توصيات القمم العربية الاقتصادية، وأخشى عليها أيضا أن تتبخر.
أسئلة عديدة وضعتها أمامي قبل أن أقرر ـ مؤخرا ـ حضور الملتقى العربي الاقتصادي الذي سيتم افتتاحه هذا المساء في العاصمة السعودية الرياض. وسألت نفسي أين ذهبت توصية قمة الكويت الاقتصادية في 2009 بإنشاء صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية برأسمال ألف مليون دولار تكفلت دولة الكويت بالمساهمة بخمسمئة مليون دولار، وكانت توصية أنعشت شباب العالم العربي وأعادت لهم الأمل ولكنه ـ وللأسف ـ وبعد انتظار ومتابعة لنشاط هذا الصندوق لم يعلن عنه شيء سوى المعلومة بأنه سيكون هو الموضوع الأهم للحوار في القمة الاقتصادية الثانية بشرم الشيخ حيث أعلن أحد كبار المسؤولين في الجامعة آنذاك بأنه لم يصل الدعم المالي الكامل للصندوق من الدول العربية التي قررت إنشاءه في القمة الاقتصادية للكويت. وبعد عناء لم يجمع سوى 25% من رأس مال الصندوق وتجمدت الفكرة ولم يُعلن عن الصندوق، وهذه أبرز عوائق قرارات القمة حيث تسجل التوصية على الورق وتجمد خطوات تنفيذها. وأتساءل اليوم أين التوصية الخاصة بإنشاء الاتحاد الجمركي العربي؟ وإلى أين وصلت المناقشات؟ وأين التوصية الخاصة بالبرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي؟ وهل تبنت تنفيذه حكومات الدول العربية المستفيدة من مكونات البرنامج؟ وهل قامت المؤسسات والصناديق الإنمائية العربية والإقليمية والدولية بالمساهمة في توفير المتطلبات المالية اللازمة في تنفيذ البرنامج؟ وما نتائج التوصية الخاصة بتنفيذ البرنامج العربي للحد من الفقر؟ وأين محكمة الاستثمار العربية؟ ولماذا لم يُفعل دورها ولماذا لم تعرض عليها قضايا الاستثمارات العربية المعطلة؟ ولماذا يذهب رجال الأعمال إلى المحاكم الدولية لحل خلافاتهم مع الحكومات العربية ولماذا قرارات محكمة الاستثمار العربية غير ملزمة؟ ولماذا لم يعدل نظامها لتكون محكمة أحكامها مُلزمة وقابلة للتنفيذ في أي دولة عربية؟
إن أهم القضايا التي يواجهها القطاع الخاص العربي هي وضع الاستثمارات العربية في بعض دول الربيع العربي والتي تواجه معوقات ضخمة سواء في بعض اقتصاديات تلك الدول أو تغيير بعض الأنظمة والقوانين واللوائح الاستثمارية أو مواجهة نقمة قوية من بعض المسؤولين تجاه الاستثمارات الأجنبية العربية، فكم من مشاريع عربية في بعض الدول العربية تترنح وتصارع لأن تستمر. وإذا لم يتفق القادة العرب في قمتهم الاقتصادية في العاصمة الرياض على إيجاد وسيلة ضامنة محافظة راعية للاستثمارات العربية في الدول العربية فإن الاستثمارات العربية ستغادر تدريجيا تلك الدول أو ستجمد تطوير استثماراتها وستتخوف الشركات العربية من دخول استثماراتها في الأسواق العربية.
إن رجال الأعمال لا يتدخلون في قرارات الشعوب ولا تأثير لهم على صناع قراراتها ولا يتدخلون في سياسات الحكومات والقيادات ولا يميلون لحزب ضد حزب آخر. ورغم ذلك فهم الأكثر تضررا في الأزمات فكثير من المشاريع تعاني اقتصاديات تشغيلها وهي في أمس الحاجة إلى الاستقرار السياسي لتعود إلى معدلات تشغيل أفضل. فهل يتفق القادة في قمة الرياض الاقتصادية على حماية ودعم الاستثمارات العربية في الدول العربية؟ وهل ستفعل قمة الرياض صندوق المشاريع الصغيرة وتستكمل دول الخليج رأس مال الصندوق ليعلن عنه في قمة الرياض متمنيا أن تكون قرارات قمة الرياض فقط متابعة تنفيذ توصيات القمم الاقتصادية السابقة ورسم خارطة طريق لتنفيذها. كما أتمنى على دول الخليج في القمة الاقتصادية القادمة أن يحموا دول الربيع العربي من شروط صندوق النقد والبنك الدولي فهي شروط قاسية على الشعوب العربية وقد تسهم في إثارة الشعوب على حكوماتها. فهل للدول الداعمة أن تتدخل لتمويل دول الربيع العربي من خلال الصناديق العربية، أو تمويل مباشر لدعم اقتصاديات بعض الدول العربية التي توشك على مواجهة أزمة اقتصادية ومالية؟