إيران والاقتصاد .. أبرز أوراق العملية الانتخابية لمرشحي الحزبين الديموقراطي والجمهوري
تحسن موقع الرئيس أوباما في مضمار السباق الساخن الذي يدورالآن للفوز بالمقعد الأول في البيت الأبيض بعد المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في مدينة شارلوت بولاية نورث كارولينا. فقد برهنت استطلاعات الرأي العام التي أجريت صباح الأمس أن أوباما حقق تقدماً طفيفاً للغاية عقب انتهاء المؤتمر، إذ أظهرت الأرقام أنه حصل صباح اليوم التالي لخطابه في المؤتمر على 46,8% من أصوات الناخبين فيما يحصل المنافس الجمهوري ميت رومني على 46,5%.
وكانت الأرقام قبل المؤتمر الديمقراطي توضح أن الاثنين يقفان عند خط واحد تقريباً ويركضان مثل فرسي رهان جنباً إلى جنب. فقد حصل أوباما على 46,6%، وهو الرقم ذاته الذي حصل عليه رومني. غير أن الملاحظ هو أن رقم رومني تحسن بنسبة 1,4% عقب المؤتمر الجمهوري في تامبا بولاية فلوريدا، فيما لم تتحسن أرقام أوباما إلا على 0,2% فقط. وكل تلك الأرقام هي المتوسط العام لاستطلاعات الرأي الأساسية التي تجرى في الولايات المتحدة على أساس قومي، أي أنها ليست رقم استطلاع واحد في موقع واحد.
من هنا فإن العنصر الحاسم في هذه الانتخابات سيكون ما يسمى بـ ولايات الحسم. ذلك أن هناك تاريخاً من التصويت لأي من الحزبين في ولايات كثيرة على نحو يضع تكساس أو تنيسي مثلاً في الجبهة الجمهورية في أغلب الأحوال، فيما يضع نيويورك وكاليفورنيا عادة في الكفة الديمقراطية. وفي حالة السباق الراهن فإن ولايتين على وجه التحديد ستحددان نتيجة تلك الانتخابات هما ميتشيجان وأوهايو.
مناطق النفوذ
الولايات المحسومة لحساب رومني هي مونتانا ونورث داكوتا وساوث داكوتا وتنيسي وتكساس، بينما تميل له ولايات أريزونا وجورجيا وإنديانا وميسوري وساوث كارولينا. وفي المقابل فإن الولايات المحسومة لأوباما هي مين ونيوجيرسي وواشنطن ونيويورك وكاليفورنيا، والولايات التي تميل له هي كونتيكت ومنيسوتا ونيو مكسكيو وأوريجون وبنسلفانيا.
أما الولايات المعلقة فهي كولورادو وفلوريدا وإيوا ومتشجان ونيفادا ونيوهامبشاير ونورث كارولينا وأوهايو وفيرجينيا وويسكونسون. بيد أن تلك الولايات لا تتساوى لا في درجات ترددها ولا في وزنها داخل الكلية الانتخابية. والولايتان اللتان لو لم يفز بهما رومني فإنه لن يستطيع الفوز في الانتخابات هما ميتشجان التي تمتلك 16 مقعداً في الكلية الانتخابية، وأوهايو التي تحتل 18 مقعداً فيها.
ولو وزعنا مقاعد الكلية الانتخابية على نحو ما نراه في المشهد الحالي في اللحظة الحالية فسوف نجد أن لأوباما 221 مقعداً، بينما لرومني 191 مقعداً. إلا أن ذلك يعني أيضاً أن هناك 126 مقعداً في الكلية الانتخابية لا تزال معلقة ولا يمكن لأي من المرشحين أن يختطفها أو ينال منها حصة تكفي لترجيح كفته.
فإذا كانت تلك هي صورة المشهد العام في كل الولايات؛ فكيف تبدو إذاً نتائج الاستطلاعات في هاتين الولايتين المركزيتين في الانتخابات الحالية؟
أجرت الجامعة الرئيسة في ولاية أوهايو استطلاعاً أظهر تفوق أوباما، كما أجرت شبكة سي. بي. اس استطلاعاً آخر أظهر نفس النتيجة. غير أن الصحيفة الأساسية في الولاية أجرت استطلاعاً مماثلاً أكد تفوق رومني، وهي نفس النتيجة التي أظهرها استطلاع مؤسسة جرافيس. إذاً لا يمكن القول إن الولاية حسمت أمرها.
وفيما تظهر استطلاعات صباح الأمس أن الولاية ترجِّح الآن – بدرجة قليلة – فوز أوباما، إلا أن ذلك لا يمكن أن يؤخذ كحقيقة مسلَّم بها. فهذا ما يحدث دائماً في الفترات التي تعقب المؤتمرات القومية للأحزاب السياسية في الولايات المتحدة وما تتيحه من سيطرة الخطاب الإعلامي لهذا الحزب أو ذاك على الفضاء لبعض الوقت. وبعبارة أخرى يمكن لهذا التقدم الذي حدث بالأمس أن يتراجع خلال فترة وجيزة.
تضارب الاستطلاعات
وفي ولاية ميتشجان لا يختلف الوضع كثيراً. فصحيفة ديترويت نيوز مثلاً تعطي أوباما تفوقا بنسبة 6 نقاط مئوية على منافسه. ولكن مؤسسة بيدون فوستر تعطي رومني 4% فوق منافسه. ومن الأرقام التي ظهرت في استطلاعات الأمس يتضح أن كفة المرشح الديمقراطي راجحة أكثر في ميتشجان، إلا أن ذلك يتوقف أيضا على مدى ديمومة تأثير الحماس الذي أثاره مؤتمر شارلوت.
الاقتصاد أولاً
وتبدو السمة الرئيسة لهذه الانتخابات سمة اقتصادية بلا منازع. ففي انتخابات 2004 مثلاً كانت قضايا الأمن القومي تسيطر على مسرح المعركة الرئاسية، وفي 2008 اختلطت خيبة الأمل في مجالي السياسة الخارجية والاقتصاد لترسم ملامح المعركة التي فاز بها باراك أوباما ضد السيناتور جون ماكين، رغم تاريخ ووزن هذا الأخير. ولكن حتى الآن فإن قضايا الاقتصاد تهيمن بصفة كاملة على كافة جوانب المعركة الانتخابية الحالية. من هذه الزاوية فإن خطاب الرئيس الأسبق بيل كلينتون كان حاسماً في مسار المعركة. ذلك أنه كان آخر الرؤساء في هذا القرن الذي حقَّق لبلاده فائضاً في الميزانية الفيدرالية، كما كان يتبع سياسة ضريبية متوازنة أدت إلى تخفيض معدلات البطالة بصورة ملموسة. من هنا فإنه يعد مرجعاً في شؤون إدارة الاقتصاد. من هنا تكتسب شهادة كلينتون التي أفرط خلالها في مدح مواقف أوباما شهادة بالغة الأهمية.
ويشير واقع الحال إلى أن العلاقة بين الرجلين كانت دائماً متوترة. فقد خاضت هيلاري كلينتون معركة تصفيات 2008 من أجل مقعد الرئاسة ضد أوباما وخسرت بفارق ضئيل. والمواجهات بين أنصارالاثنين ذائعة ومنتشرة في نقاشات واشنطن. إلا أن بيل كلينتون لسبب ما تحول إلى داعم قوي لأوباما في لحظة ستبرهن لاحقاً على أنها لعبت دوراً بالغ الأهمية في مسار الانتخابات الحالية بصرف النظر عن نتيجتها.
استمرار المعاناة
غير أن أوباما يواجه موقفاً صعباً في كل الأحوال، بكلينتون أو بدونه. فالوضع الحالي يختلف عما كان عليه عام 2008 حين كان يمكن توجيه النقد إلى إدارة تسببت في كل الكوارث التي تحط على رؤوس الأميركيين. فالكوارث لا تزال تحط على رؤوسهم رغم أن المخلص والمنقذ هو الذي يتولى الرئاسة الآن. وعلى أوباما الإسراع في إقناع الناخبين بأن ما فعله لم يكن كافياً، ليس من حيث محتواه ولكن من حيث مدته الزمنية، وعليهم ببساطة الاقتناع بمنحه أربعة أعوام أخرى لإنجاز المهمة التي هي في المقام الأول اقتصادية بحتة، فلا أحد الآن يفكر في العراق أو أسامة بن لادن أو أي جانب آخر من جوانب السياسة الخارجية.
وإذا أغفلنا نتائج الاستطلاعات التي أجريت بعد مؤتمر تامبا أو مؤتمر شارلوت، فسوف نجد أن الاتجاه العام لمنحنى شعبية الرجلين كان يمضي في اتجاهين متعاكسين. فأوباما كان يهبط فيما كان رومني يصعد. هذا ما تبرهن عليه حزمة من الاستطلاعات على مدار فترتين في جدولين منفصلين، الأول يرصد المنحنى خلال العام الماضي، والثاني يرصد المنحنى خلال الفترة من يناير حتى نهاية يوليو من العام الجاري.
أما دلالات الجدول الأول فإنها تتضح عند إغفال أرقام رومني تماماً والنظر فقط لأرقام منافسه الديمقراطي. فسنلاحظ أن الأرقام أخذت منحى هابطاً ببطء بالغ مع فترات من الارتفاع الملموس والانخفاض الملموس أيضاً.
فترة الانخفاض مثلاً جاءت في الخريف الماضي. وعند بحث ما مر بالأميركيين في هذه الفترة سنجد أن هناك رقمين ملموسين. الأول هو الارتفاع الكبير في أسعار وقود السيارات آنذاك والمناقشات التي كانت تدور في الكونجرس حول الميزانية الجديدة. أما الفترة التي أعقبت ذلك، أي خلال الربع الأول من العام الجاري، فإن العنصر الأهم الذي طرأ على الرأي العام هو أن أرقام الأداء الاقتصادي كانت توحي آنذاك بأن الولايات المتحدة تجاوزت الأزمة بالفعل.
نتائج متشابهة
أما منحنى الأداء الاقتصادي بعد الربع الأول فقد كان مخيباً للآمال، لاسيما في مجال محاربة البطالة. غير أن هناك دلالة إضافية يمكن استخلاصها من ذلك، وهي أن الأرقام تشبه إلى حدٍ كبير أرقام جورج بوش الأب خلال الفترة من 1991 إلى 1992. والمجال هنا ليس متاحاً لعرض المنحنى التفصيلي لتلك الحقبة، إلا أنه يشبه ما نراه في حالة أوباما الآن. ولا يتوقف التشابه هنا. فالرئيسان واجها أزمة اقتصادية، وإن كان ما نراه الآن في عهد أوباما هو أزمة تتجاوز بكثير من حيث الاتساع والعمق ما خلفه الرئيس جيمي كارتر في نهاية الثمانينات، أو ما خلفه الرئيس بوش الأب. فالأول لم يتمكن من مواجهة نسبة تضخم بلغت آنذاك 23% بسبب عجز الأدوات المالية المتاحة أمام الحكومة الفيدرالية آنذاك. وورث بوش ذلك وأنجز حرباً ناجحة في الخليج نالت إعجاب الأميركيين بقدر ما أسعدهم الآن سحب القوات من العراق وتحديد جدول زمني لسحبهم من أفغانستان، إضافة إلى قتل بن لادن.
الورقة الإيرانية
أما رومني فهو لا يقدم نفسه فقط كبديل لأوباما، ولكن أيضاً كحل للأزمة الاقتصادية. وسوف نلاحظ أن حملته لا تقدم بطبيعة الحال اختباراً عملياً لسياساته الاقتصادية، ولكنها تعيش على نقد سياسات أوباما.
عموماً يصعب حتى الآن التكهن بنتيجة الانتخابات. فكلما كانت على تقاربها الراهن كلما أفسح ذلك الباب لمفاجآت قادرة على أن تدفعها تلك الدفعة البسيطة نحو الهاوية، أو بالأحرى نحو الترجيح الحاسم لهذا المرشح أو ذاك قبل موعد التصويت. ولهذا السبب يقول الديمقراطيون إن لديهم ملفاً كاملاً حول تجنب رومني لدفع الضرائب بنفس النسبة التي يحتمها القانون والتي يدفعها محدودو الدخل. ويعني ذلك تأكيد مقولتهم بأنه لا يمثل فقط الأثرياء، إنما يتنكر أيضاً لحقوق الفقراء. أما الجمهوريون فإنهم لا يقولون شيئاً. هناك من يقول بدلا عنهم إن إسرائيل يمكن أن توجه ضربة إلى إيران بهدف توريط الولايات المتحدة في حرب إقليمية. وقد قيل الكثير في ذلك. إلا أن وزارة الدفاع أبلغت تل أبيب بأن عليها الامتناع عن مثل هذا العمل المغامر. وحينها قال الإسرائيليون إن الأميركيين التفوا من الباب الجانبي واتصلوا بالإيرانيين لإبلاغهم بأن واشنطن لن تشارك في الحرب إن كانت المواجهة محصورة بينها وبين إسرائيل فقط. ثم إن الأمر كله لا يعدو أن يكون تهديداً أخرق من جانب الإسرائيليين يهدف في واقع الأمر إلى انتزاع تعهد موثق من أوباما بوضع حد زمني يتعين فيه على الولايات المتحدة ضرب طهران إن لم تتوصل إلى اتفاق كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن برنامجها النووي. بينما يقول الأميركيون إنهم لن يضعوا حدوداً زمنية، ولكنهم سيضعون علامات طريق. فإذا وصلت إيران إلى هذه العلامة يتعين رفع درجة التحذير وإذا وصلت إلى تلك يتعين ضربها. إلا أنه يبدو أن الأمر كله لا يتجاوز نطاق المناورات الانتخابية. فالإسرائيليون يضغطون على المرشحين معاً في اللحظة التي يحتاجان فيها إلى دعم الكتلة النشطة مالياً وإعلامياً، وهي الجهة الموالية لإسرائيل.
الرئيس الأميركي: ساعدوني لاستكمال ما بدأت
واشنطن: أحمد عبدالهادي
في خطاب اتسم بلهجة اعتذارية اختلطت بعبارات التحدي للمؤسسات التي تدعم منافسه الجمهوري، قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر الحزب الديموقراطي بمدينة شارلوت بولاية نورث كارولينا ترشيح الحزب له في انتخابات الرئاسة المقبلة التي ستجرى في السادس من نوفمبر المقبل.
وسعى أوباما في خطابه إلى تفسير المشكلات التي واجهها وحالت دون أن يفي بعهوده الانتخابية في السباق الرئاسي الماضي بإلقاء تبعتها على ثقل تلك المشكلات التي ورثها عن سابقه جورج بوش وتعقيدها دون أن يمنعه ذلك من التركيز على ما أنجزه من أهداف مثل إنقاذ صناعة السيارات الأميركية وإعادة الجنود الأميركيين من العراق، ووضع جدول زمني للانسحاب من أفغانستان في 2014، والتخلص من زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
وقال أوباما في خطابه كنت صغير السن حين ألقيت خطابي الأول في مؤتمر ديموقراطي عام 2004. وبعد 8 سنوات فإن الأمل الذي كنت أشعر به تعرض للاختبار بسبب كلفة الحرب وبسبب واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ وبسبب خلافات الكونجرس التي تركتني حائرا حول ما إذا كان من الممكن فعلا أن نواجه أزمات عصرنا.
وطلب أوباما من الناخبين منحه فرصة إضافية لحل تلك المشكلات. ونقل لنحو 30 مليون ناخب أميركي تابعوا الخطاب على شاشات التلفزيون رسالة مفادها أن الاختيار هو اختيارهم. وشرح ذلك بقوله إن وول ستريت والشركات الكبرى تريد في هذه الظروف العصيبة حل مشكلات البلاد عبر مزيد من خفض الضرائب التي يدفعها أصحاب الملايين على حساب الطبقة المتوسطة. وقال إنه طالما بقي رئيسا فإنه لن يسمح بذلك.
وأشار أوباما إلى أن دور الحكومة لا يمكن أن يكون حل المشكلات التي تواجه الأميركيين دون الاعتماد على مبادرتهم. إلا أنه أضاف لكن ذلك لا يعني أن على الحكومة ألا تفعل شيئا. وانتقد أوباما أصحاب الشركات ممن ينقلون مصانعهم إلى دول أخرى، كما حذر إيران مما وصفه بمواصلة السعي نحو تحقيق طموحها بامتلاك سلاح نووي وسخر من منافسه الجمهوري ميت رومني بسبب ما قاله من أنه يعتبر روسيا وليس القاعدة هي خصم الولايات المتحدة الأول، ووصف رومني ونائبه بول رايان بأنهما لا يعرفان شيئا عن السياسة الخارجية.