أتمنى من الدولة التركيز في المرحلة المقبلة على استقطاب الوجهاء الاجتماعيين، ورموز الأسر القطيفية، للقيام بواجبهم تجاه أبنائنا في القطيف، وهم خليقون بهذا الدور من لدن المسؤولين

قبضوا عليّ وأنا أكتب على الجدران عبارات نابية بحق الدولة، وأنا نادم أشد الندم لما فعلته.. من قال لي هذه الجملة بسجن الدمام؛ شاب قطيفي في الثامنة عشرة من عمره، وعندما سألته عن سبب ندمه، قال: أمي.. لم أرد أن أراها بتلك الصورة التي زارتني بها.
كنت مصرّاً على زيارة هؤلاء الأبناء، لأستشرف بعض فكرهم الذي جعلهم يخرجون في تلك التجمعات التي شهدناها في القطيف خلال الأشهر الماضية، وفعلاً ذهبت لغرفة بها خمسة منهم، وهم بالطبع معزولون عن بقية السجناء السنّة، كي لا تحدث صدامات واحتكاكات لا يحمد عقباها، وبعدما استمعت لكل واحد منهم، ألفيت أنّ غالبية تصرفاتهم الخارجة عن القانون والتي تستحق العقوبة – ليست مجرد كتابة فقط - كانت ردة فعل لحظية، إضافة للوضع الاجتماعي الذي هم فيه، بل إنّ اثنين منهم توّرطا بالاتجار في السلاح، وكان معهم في الغرفة رجل في الخامسة والأربعين من عمره، ويعمل معلماً في وزارة التربية والتعليم، واعترف لي بخطئه الفادح الذي ارتكبه حيال الدولة، ويشكر لها أنها ما زالت تقدم نصف راتبه، ويطالب بتخصيص مبلغ ألفي ريال لوالده. وبالمناسبة؛ كل من في تلك الزنزانة يتلقى مبلغ ألفي ريال لمساعدة ذويه، وطالبوني جميعهم، بمخاطبة المسؤولين أن تزيد تلك المساعدة لأربعة آلاف ريال، محتجين بأن بعض زملائهم حصلوا على تلك المساعدة.
وقتما خرجت من عندهم، كنت أفكر حيال تلك المساعدة المالية التي تقدمها الدولة، وهل تجعل بعض الشباب العاطل يتجرأ على الخروج كي يقبض عليه!! تأملت طويلاً في هذا الموضوع، وتساءلت إن كان من المناسب إعادة النظر في جدواها، بيد أنني تذكرت رؤيتي لشباب موقوفين في سجون أخرى زرتها، قال لي بعضهم إن أسرهم تعيش على تلك المساعدة بالكامل، فطردت الفكرة من رأسي، ودعوت والله لمن كان أكثر رحمة منا بهم، وأقرّ تلك المساعدات لذوي الموقوفين.
لم أحرص على زيارة أفراد من (حزب الله الحجاز) المتطرفة، هذه المنظمة التي تتبع (حزب الله) في لبنان، لأن الوقت أدركني، بيد أنني موقن بحاجة أمثال الشباب الذين التقيت بهم إلى لجنة مناصحة فورية، على غرار لجان مناصحة السنّة، متمنياً على رجل الأمن الأول في وطني، سمو وزير الداخلية، وهو رائد فكرة مركز المناصحة، استحداث لجنة شبيهة لأبناء طائفة الشيعة هؤلاء، الذين هم بحاجة ماسّة لمرشدين نفسيين واجتماعيين من ذات طائفتهم، وأتصور أنّ كثيراً منهم سيؤوب لرشده.
في يومي التالي، كنت أنا والشيخ حسن الصفار والشيخ فيصل العوامي ود. توفيق السيف مع بعض الزملاء القطيفيين في ضيافة رجل الأعمال د. محمد المسعود، الأديب المعروف وزميلنا الكاتب في صحيفة (الاقتصادية)، ودار حوار شفيف معهم، وعن دور رموز القطيف الدينية، وخفوت أصواتهم خلال التجمعات التي يقوم بها بعض شبابهم، وتفرّع الحديث، فقلت لهم: بالأمس كنت مع أحد الشباب الذي أعلن عن تكفيره للدولة مؤخراً، بعد سنوات طويلة وهو بالسجن، ووقتما سألته أجابني بكل صراحة، قائلاً: كيف ندّعي أننا دولة السنّة والتوحيد والعقيدة، ونسمح للرافضة أن تقيم شعائرها في أرض الحرمين؟ وتوجهت بحديثي للشيخ الصفار والحضور، إنكم إن لم تراعوا حساسيّة الظرف، وتقوموا بأدواركم الوطنية المفترض بها عليكم تجاه شبابكم؛ فسترتكبون خطأ كبيراً، وإن لم تك الوقفة الوطنية التي نتوخاها الآن، فليت شعري متى!!
وسبق لي الكتابة قبل عامين، بضرورة التفاهم مع مندوبي المرجعيات الشيعية في السعودية، بأن تصرف أموال (الخُمس) في داخل القطيف والأحساء، بدلاَ من إرسالها للعراق أو إيران، وتلك المبالغ ليست بالسهلة، فلماذا لا تقام بها مشروعات متوسطة لمساعدة الأسر الفقيرة، وتوظيف شباب المنطقة فيها، فهذا دور وطني وديني، تجاه أبناء الطائفة الذين هم بمسيس الحاجة لمثل هذه المبادرات من مشايخهم، فالبطالة لا تميّز شيعياً أو سنياً، بل هي تسربل كل شباب الوطن، كي نقطع الطريق على المتاجرين بمثل هذه القضايا من خارج الحدود، وهي دعوة مني لأمثال الصديق د. توفيق السيف وبقية المثقفين في طائفة إخوتنا الشيعة أن يضطلعوا بأدوارهم التنويرية تجاه الطائفة، ويتبنوا مثل موضوع توزيع الخُمس للأسر الفقيرة داخل الطائفة، ويتنادوا لما فيه مصلحة شبابهم.
كما أتمنى من الدولة التركيز في المرحلة المقبلة على استقطاب الوجهاء الاجتماعيين، ورموز الأسر القطيفية الكبيرة، وإعطائهم الدور والمكانة، للقيام بواجبهم تجاه أبنائنا هناك في القطيف، وهم خليقون بهذا الدور من لدن المسؤولين وولاة الأمر.
يبقى أنه من المهم بلورة رؤية واضحة تجاه التعامل مع أبناء المنطقة، وطريقة إدماجهم، وآن أوان ذلك، وقد دعوت مراراً مركز الحوار الوطني للاضطلاع بهذا الدور، وبتصوري أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبداً. إن انبثاق هيئة مشاورة يتصدرها كبار من الوجهاء والعلماء بين السنّة والشيعة، لوضع خارطة طريق، في إدماج بعض أبناء المنطقة وقطع الطريق على المترصدين، هو لخير ولصالح هذا الوطن.
ولا يفوتني هنا التنويه، بأنني تلقيت شكر كثير من الفضلاء والدعاة، لما كتبته عن الشيخ خالد الراشد في مقالتي الأسبوع الفارط، ونقلوا لي استياءهم مما كتبه ابنه عبدالله، وأكدت لهم أنني كنت أعيد على الشيخ الراشد ما قاله، وأكتبه حرفياً كي أنسب له تماماً ما قال، ولا يتسع حيّز المقالة لسرد كل ما قال، فضلاً عن أن الموقـف هنا موقف شفاعة ودعوة لإطلاق سراحه، ولا يصحّ عقلاً التشويش بغير ما يوصل للمراد، ولكنْ لله في خلقه شؤون.
وأختم بوعد لأولئك الأبناء الذين التقيتهم وشرحوا ما يرونه من تظلمات؛ أنني سأرفعها حرفياً للمسؤولين، فأنا عند وعدي ولم أنسكم، وأسأل الله لكم التوبة الصادقة والفرج، ولا أحبّ إلينا -كمجتمع ودولة- من عودتكم مواطنين صالحين، وبناة فاعلين في التنمية التي تعيشها بلادكم.