فجر جديد أحياه في متواليات أيامي بقدوم زهرة جديدة تكمل مربع الفرح في منزلي البسيط، وتشعرني بالفخر أنني ما زلت في عيون بعضهم ومفاهيمهم أبو البنات. وفي مجتمعنا العربي تقصي المفاهيم الذكورية الخالصة تلك المشاعر الجياشة التى أشعر ويشعر بها أمثالي، لأن العربي كان وما زال أسيرا لتلك المفاهيم، فالفحولة هي المرافق الأول للرجولة، بل هي متلازمتها الأولى والأخيرة، ولإثبات حضورها يعمد العربي إلى التعدد، ليس امتثالا لتشريع رباني بل لتأطير تلك الرجولة المزعومة بإطار فحولي يخوله القول والعمل، ولعل الثورة الطبية التى نعيشها زادت من تأجيج هذا الشعور وحضوره بعد اكتشاف تلك الحبة الزرقاء ومثيلاتها من الحبوب والعقاقير. والخلفة أو الإنجاب في العرف العروبي بشكل عام والقبلي بشكل خاص تظل في نخبها الأول ذكورية خالصة، فالعربي هو أبو الذكور، حتى ولو كان ذلك الذكر عاشرا فى ترتيب تلك الولادات المتعددة.
في مجتمعنا المحلي الذي هو امتداد لمجتمعنا العربي الكبير، ينظر لأبي البنات نظرة فيها الكثير من العطف والشفقة، وأحيانا تصل إلى شئ من التشفي، فما أن يسألك أحدهم قائلا: أبو إيش؟ فتقول مثلا: أبو غدي أو رغد أو رشا.. فيقول بعد أن يعتدل في جلسته: لا الولد.. أبو من؟ فتقول: لم يكتب الله بعد! فترتسم على وجهه الكئيب أصلا مسحة من الحزن المصطنع يستمدها من موروثه الذكوري الخاطئ، ويقول بعد أن يزفر زفرة حزن مأساوية: يجي إن شاء الله، ثم يأخذ يواسيك وكأنك مصاب في نفسك وأهلك ومالك، من خلال عبارات موسومة بالكثير من التمييز والتفرقة العنصرية ضد المرأة وضد حضورها في المجتمع.
المجتمع العربي ما زال يُنقص المرأة حقها ويراها عبئا على الحياة، يستمد كل ذلك أو جله من مفاهيم ذكورية خالصة عاشها إنسانه مبدأ وعرفا وعادة لتصبح قواعده فى التعامل والتعاطي مع المرأة وحياتها.
وفي مجتمعنا تظل المرأة في بقع قصية منه تحرم من حقها في مال أبيها وأمها، ويمارس عليها الكثير من الضغوط لحملها على التنازل عن تلك الحقوق التي أقرها الله مفصلة فى كتابه الكريم.. وتأتي تلك المفاهيم الذكورية لتصادر تلك الحقوق.
وبين تلك المفاهيم أعيش ويعيش الكثيرون أمثالي صراعا طاحنا بين ما نؤمن به من مفاهيم وما يؤمن به المجتمع من رؤى ومفاهيم خاطئة تجاه المرأة وتجاه حقوقها المنقوصة التى فرضها لها الرب تبارك فى علاه، ليجعلها حرة مستقلة صنوا للذكر وفق ضوابط الدين وقيمه السامية.