كان الثوريون يذهبون إلى مقرات سكن الشاه وأقربائه؛ لسرقة ممتلكاتهم بعد هروبهم من البلد. يعلم الله كم عدد الناس الذين استغلوا مثل هذه الفرص للسرقة تحت اسم الثورة والإسلام والشعب
في موسم أعياد الميلاد، يشتري المسيحيون الهدايا لأحبتهم. المزادات نشيطة أيضا لتحقيق أفضل نسبة مبيعات بين يوم الميلاد ورأس السنة. هناك صور على موقع قناة BBC لمزاد في تونس استرعت انتباهي. الموقع يقول: إن الصور هي لممتلكات للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وزوجته، وهي معروضة للبيع. الحكومة الجديدة تأمل في جمع ملايين الدولارات من هذا المزاد.
تضم الصور سيارات فاخرة تعود للرئيس بن علي أو لأقربائه، كما تضم تماثيل، ومجوهرات ومعاطف فرو لزوجته، إضافة لأحذية وحقائب مستعملة، وأشياء أخرى. الكتابة تحت الصور توضح أن بن علي بقي في السلطة 33 سنة قبل مغادرته تونس نتيجة للثورة التي قام بها شعبه للإطاحة بنظامه.
كنت طفلة في السادسة من عمري عندما قامت الثورة في بلدي، إيران، لكن ذاكرتي تسمح لي بأن أتذكر الكثير من التفاصيل. المزاد على ممتلكات بن علي أعادني حوالي 34 عاما إلى الوراء، عندما كنت أقضي أوقاتي في منزل جدتي في حي جمران شمال طهران، وهو الحي الذي انتقل إليه آية الله الخميني عندما نجحت الثورة. حي جمران يقع في واد جميل، والطقس فيه رائع يناسب القائد المسن، وهو ليس مفتوحا لعموم الناس بسهولة. قدوم الخميني إلى حي جمران جلب معه الأمن الخاص به والحرس الثوري والكثير من الغرباء عن الحي.
منزل جدتي كان يبعد مسافة قصيرة جدا عن الحسينية الرئيسية في جمران في ذلك الوقت. كنت أراقب الغرباء كل يوم وهم يركبون شاحنات صغيرة توصل بعض الأشياء إلى داخل الحسينية التي كانت تستخدم كمستودع. كان الثوريون يذهبون إلى مقرات سكن الشاه وأقربائه ومساعديه؛ لسرقة ممتلكاتهم بعد هروبهم من البلد. لوحات فنية ثمينة، ثريات كريستال، تماثيل ذهبية، سجاد، صناديق مليئة بالملابس، أي شيء يمكن أن يتخيله المرء، كانت تأتي على الشاحنات الصغيرة إلى الحسينية. بالطبع لم تكن حسينية جمران تتسع لكل هذه المسروقات، وبالتأكيد كانت هناك أماكن أخرى في المدينة لتخزين المزيد من هذه الأشياء فيها أيضا. يعلم الله كم عدد الناس الذين استغلوا مثل هذه الفرص؛ لسرقة بيوت الناس تحت اسم الثورة والإسلام والشعب.
بعد ذلك جاء وقت إعلانات المزاد. الكثير من الناس استغلوا الفرصة، وذهبوا لشراء الأشياء بأسعار رخيصة. حتى الفيلات الفخمة والسيارات الفاخرة والمفروشات، جميعها تم الإعلان عنها في الصحف.
الأشخاص الذين اشتروا البضائع بأسعار زهيدة كانوا مقربين من الثورة. ونتيجة لذلك، تشكلت طبقة جديدة من الأغنياء، الذين اشتروا البضائع بسعر زهيد، وبرروا ما فعلوه بأن البضائع المصادرة هي غنائم حلال شرعا. ما أعرفه هو أن أفراد عائلتي رفضوا الذهاب، وفضلوا عدم الاقتراب من أي من هذه الأشياء. كنا نسمع ونعرف أن الكثير من هؤلاء الناس كانوا يصادرون الأشياء والممتلكات بغير وجه حق. جدتي كانت تقول: إن الصلاة في أي من المنازل المغتصبة أو التي تحوي بضائع مسروقة ربما لا يقبلها الله.
مرت سنوات طويلة بالطبع، وتحولت هذه البضائع إلى ثروة بحد ذاتها، وأصبح كثير من السياسيين من أصحاب الثروات الطائلة.
صور ممتلكات بن علي وعائلته أعادتني إلى طفولتي، وأستطيع أن أقول الآن: إنني أشعر بالغثيان كلما تذكرت تلك الأحداث. شراء ملابس الناس والاعتراف بارتدائها علنا ليس أمرا لطيفا. أنا لا أصدر أحكاما على المزاد في تونس أو أي بلد آخر؛ لأنني لست هناك وليس لدي أي دليل على طريقة جمع هذه الأشياء التي يتم بيعها في المزاد. أستطيع أن أتحدث عن إيران وأقول إننا على مدى سنوات كنا نعرف كم من الأبرياء تم إعدامهم بغير وجه حق وصودرت ممتلكاتهم. كان أولئك الناس يلعنون القادمين الجدد الذين استولوا على ممتلكاتهم، ولا أعتقد أن هؤلاء سيستطيعون أن يعيشوا بسعادة في المنازل التي يغتصبونها، أو الأشياء التي يستخدمونها لباقي حياتهم.
لكن التاريخ غالبا ما يعيد نفسه. حاليا، حتى أحفاد مؤسس الثورة آية الله الخميني لا يتمتعون بالحماية، ويتعرضون للهجوم من الحكومة الحالية. أبناء هاشمي رفسنجاني يتعرضون للهجوم واثنان من أبنائه وضعوا في السجن، واضطر رفسنجاني لدفع كفالة مالية ضخمة؛ لإطلاق سراح ابنه مهدي من السجن. بعض المقالات الصحفية تتساءل عن مصدر الثروة التي دفع منها رفسنجاني مبلغ الكفالة الضخم!. حسنا، هناك حديقة ضخمة في جمران كان يملكها أحد القادة العسكريين في عهد الشاه كان قد تم بيعها – أو ربما إهداؤها- إلى رفسنجاني!، وفي جميع الأحوال، فإن هذه الحديقة تم رهنها من أجل كفالة ابنه. أبناء آية الله خامنئي ليسوا في وضع أفضل أيضا. الناس يتساءلون عن مصدر الثروة التي جمعوها. لا أحد محصن في النظام. الثوريون الجدد يعرضون الثوريين القدامى لأوقات صعبة، ويحققون في مصادر ثروتهم التي جمعوها على مدى 34 سنة. رجال الدين الذين وصلوا إلى السلطة بفضل الخميني والثورة أصبحوا يمتلكون ثروات ضخمة، ومعظم أبنائهم يدرسون في الدول الأجنبية.
إنني آمل فقط ألا تهدد الثورات التي حدثت مؤخرا في بعض الدول العربية المعارضات التي يواجهونها بنفس الطريقة التي تعاملت بها الثورة الإسلامية في إيران مع المعارضة الإيرانية.