كيانات دول مجلس التعاون الخليجي، أحوج ما تكون إلى الاندماج في وحدة تنصهر فيها الكيانات الصغرى والكبرى في كيان واحد؛ حتى تتجنب التهديدات والاستهدافات التي تحيطها من الشمال والجنوب، والتي تسعى جاهدة لاستغلال التشظي
انتهت ـ أمس الثلاثاء ـ في المنامة القمة 33 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، بعد يومين من الاجتماعات والمشاورات، لكن أبرز ما يلفت نظر المواطن الخليجي في هذه القمة، الكلمة الصريحة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي ألقاها نيابة عنه ممثله إلى القمة ورئيس الوفد السعودي ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز.
وقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين كعادته ـ يحفظه الله ـ وافية وشافية، لما اتسمت به من تطلعات تفوق ما تحقق حتى الآن، بدليل ما نص عليه الخطاب الملكي في قوله: (إن التمعن في مسيرتنا الخيرة ومسألة أنفسنا بكل صدق وتجرد هل وصلت مسيرتنا إلى ما نتطلع إليه وتتطلع اليه شعوبنا وأصارحكم القول إن ما تحقق من إنجازات لا يرقى إلى مستوى الآمال والطموحات المعقودة).
والواقع أن تطلعات مواطني دول المجلس ما زالت تهجس بضرورة تكريس الوحدة، وتجسيدها شعبياً على كافة الأصعدة وهذا هو ما صرح به يحفظه الله في قوله: (إن ترحيبكم ومباركتكم
لاقتراحنا بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد، يحقق الخير ويدفع الشر ـ إن شاء الله ـ ويترك أكبر الأثر لدى شعوبنا).
أجل، فإن كيانات دول مجلس التعاون الخليجي أحوج ما تكون إلى الاندماج في وحدة تنصهر فيها الكيانات الصغرى والكبرى في كيان واحد، حتى تتجنب التهديدات والاستهدافات التي تحيطها من الشمال والجنوب، والتي تسعى جاهدة لاستغلال التشظي، وغلبة الحضور السكاني للوافدين على السكان الأصليين لدى بعض دول المجلس.
ومن هنا فإن العدو الفارسي يتربص بهذه الكيانات عبر محاولة دؤوبة لعزلها وخلخلتها داخليا، ثم الانفراد بها من خلال تجييش الطائفية عبر النفاذ والدخول من خلال الخواصر الضعيفة، وتقوية هاجس العزلة والانقسام.
وما تزال إيران تمثل عدونا الأول في منطقة الخليج منذ أكثر من ثلاثة عقود، وما تزال تسعى بقضها وقضيضها لإيقاظ الفتنة وتقويتها، وتعزيز النزاع داخل الوطن الواحد، ومن هنا فإن اقتراح النظام الأساسي للاتحاد، والذي قدمت المملكة مشروعه سابقا، والذي يتطلع لقيام اتحاد قوي متماسك من خلال استكمال الوحدة الاقتصادية، وإيجاد بيئة اقتصادية واجتماعية تعزز رفاة المواطنين، وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة، تجنب دول المنطقة الصراعات الإقليمية والدولية، وكذلك بناء منظومة دفاعية، وأخرى أمنية مشتركة؛ لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس، بما يحمي مصالحها ومكتسباتها، ويحافظ على سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية هو المبتغى.
وإلى أن يحين موعد تبني هذا المشروع الاتحادي في قمة الرياض القادمة، فإن شعوب ومواطني دول المجلس يتطلعون إلى هذا الهدف الجليل؛ أملا في تحققه على أرض الواقع لحماية هذه الدول من أن تكون لقمة سائغة للمتربصين.
إن مشروع الاتحاد الخليجي أكثر موضوع يستحوذ على اهتمام شعوب دول المجلس؛ أملا في إقراره خلال الستة أشهر القادمة، مصحوبا ذلك بمساندة ودعم اليمن وتقويتها، وقطع الطريق على من يسعى لجعلها بؤرة خطر وقلق.
ما زلنا نحفظ منذ الصغر الحكمة الشعرية الرائجة لذلك الشيخ الذي يوصي أبناءه من على فراش الموت بقوله:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت آحادا
وأرجو أن نعض عليها بالنواجذ.