العمارة التقليدية في منطقة عسير ليست عمارة شاكر ليعبي الذكورية، ولم تكن المرأة العسيرية في يوم من الأيام غائبة عن الحياة، بل إن نساء منطقة عسير شقائق الذكور في واجبات الحياة اليومية

شاكر ليعبي البغدادي شاعر عراقي وأستاذ جامعي يدّرس تاريخ الفن وسيميائيات الصورة في جامعة قابس تونس. أصدر كتابا في عام 2007 أحدث ضجة في علم سوسيولوجيا العمارة العربية الإسلامية.
ما يحاول قوله في كتابه: العمارة الذكورية أن العمارة العربية الإسلامية كانت تحاول بشكل عام، التقليل من حجم ظهور النساء في الفضاءات المعمارية، وفي الأماكن الاجتماعية المكتظة بالسكان، وهي تسعى أيضاً إلى التقليل من احتكاكهنَّ بالرجال بكل الوسائل الممكنة. وأضاف قائلاً إن الأمر يتعلق بتطبيق إيديولوجية أن المرأة عورة ومحاولة تطبيق هذه الصفة، عبر الوسائل الملموسة، فهذه الإيديولوجيا كما تحكم قطاعاً واسعاً من الفكر العربي، فإنها تحكم العمارة العربية.
عندما أطلق شاكر ليعبي في كتابه صفة الذكورة على العمارة العربية الاسلامية بشكل عام ودون استثناءات، تيقنت أنه ـ قطعاً ـ لم يسبق له المرور بعسير قط.
إن من يغض الطرف عن عمارة عسير، كمن يحاول أن يغطي الشمس بيديه، فالمنزل العسيري يا دكتور ليعبي أو كما يسميه سكان المنطقة الحصن معروف بخصائصه المعمارية الخاصة، بشهادة كثير من الرحالة، من أمثال: فيلبي وسير كورنالس، والفرنسي تاميزييه، ولم يقتصر الأمر على شهادة المستشرقين، بل يوجد من العرب أيضاً من لم يقتصر على وصف العمارة فقط، بل أسهب في الوصف فذكر العادات، والتقاليد، والعرف، وشكل اللباس للمرأة والرجل، والزواج والمهر، مثل محمد رفيع في كتابه: في ربوع عسير الذي أعده أطلس منطقة عسير.
فالبيت العسيري يتكون من ثلاثة إلى أربعة طوابق؛ في الطابق الأرضي سكن للحيوانات المستأنسة ومخزن في نفس الوقت لتخزين المحاصيل حفاظاً عليها من التلف والرطوبة، يليه في الطابق الأول المجلس، حيث يستحوذ على أغلبية المساحة، أما الطابق الثاني فهو لغرف النوم والمطبخ الذي لابد أن يكون في أعلى دور، من أجل التهوية واحتياطات الأمن والسلامة، فإذا حدث ـ لا قدر الله ـ حريق في المطبخ يستطيع سكان المنزل الخروج بسهولة.
ومن هذا الوصف يتبين لنا أن العمارة التقليدية في منطقة عسير ليست عمارة شاكر ليعبي الذكورية، ولم تكن المرأة العسيرية في يوم من الأيام غائبة عن الحياة ويجب إخفاؤها، بل إن نساء منطقة عسير شقائق الذكور في واجبات الحياة اليومية؛ فالمرأة هي التي تحطب، وهي التي تستقي الماء وتشارك الرجل العمل في المزرعة، وامتد دورها إلى العمارة، بينما الرجل يقوم بعملية البناء الخارجي.. تكون هي مسؤولة عن عملية تجهيز المنزل من الداخل فتبيضه بالجير، وتدعك رؤوس أعواد البرسيم الطرية على سائر جدرانه من الداخل، وهذه العملية تسمى الخضار التي تأتي قبل عملية القط نقش الجدار.
ليت شاكر ليعبي يعود لكتاب فيلبي قارئاً استقباله ومن معه في السودة في عام 1927 حين قال: تم استقبالنا بحفاوة بالغة من قبل الأسرة في رحبة واسعة أمام المنزل ثم دخلنا عبر ما يشبه النفق إلى مجلس واسع وذي مساحة معقولة، وكان مليئاً بالدخان (يقصد العودة أو طيب العود)، وقد سبقنا حمالو أمتعتنا، وقد كان كل شيء معد لأجل استقبالنا، ومن خلال نظرتي المسرحية للمكان فإنني أرى مجلساً مليئاً بالناس وهم من مرافقي مضيفنا وعدد كبير من وجهاء القرية.
وأخيراً وليس آخراً، النساء، وقد كن غير مغطيات لوجوههن، يجلسن على ما يشبه الكنب بين رجال القرية يتبادلن أطراف الحديث فيما يُرى هنا أنها عادات اجتماعية طبيعية تماماً، وهن مع ذلك يذهبن ويجئن للمطبخ.. هذا ما قاله فلبي حرفياً في كتابه المرتفعات العربية ص 160.
دكتور شاكر ليعبي أنت لم تمر بعسير.