كم مؤتمرا أو لقاء أو ورشة عمل أو دورة تدريبية تتاح لعضو هيئة التدريس في العام؟ ولنعد السؤال بصيغة أخرى كم ترصد الجامعة من مبالغ في بنود التدريب والتطوير المهني؟ وما نصيب العضو الواحد من هذه المبالغ؟
قد يظن البعض وبالذات البعيدين عن أجواء العمل الجامعي أن ما تحقق من تطور كمي خلال السنوات الأربع الماضية يمثل في واقعه خلاصة طموح المجتمع وأمانيه بتعليم جامعي عالي الجودة يضع التعليم العالي السعودي في طليعة التصنيف العالمي.
الحقيقة في نظر القريبين من العمل الجامعي تأتي عكس هذه الاعتقاد تماما.. صحيح أن التطوير في جانبه الكمي قد قطع مسافة مقبولة قياسا بالمدة الزمنية القصيرة فارتفاع عدد الجامعات إلى أربع وعشرين جامعة ورفع الطاقة الاستيعابية لقبول أكبر عدد من خريجي المرحلة الثانوية.. واعتماد مشاريع لبعض الجامعات منها مانفذ ومنها ماهو في الطريق بحسب وعود المهيمنين على التعليم العالي كلها نجاحات تحسب لوزارة التعليم العالي.. يضاف إليها شواهد أخرى تظهر للناس من واقع عمليات غرس تلك المدن بقواعد عميقة وأبنية عالية الأدوار تكشف عنها سحب الغبار الكثيفة التي تغطي سماء تلك المدن الواعدة وتحمل عناوين مبشرة للمجتمع بقرب مصافحتها وتدشينها.
ما سقت آنفا يشكل جزءا من أدلة ملموسة على تطور نسبي في الجانب الكمي لكن لا يوجد أدلة كافية وشافية على تغيير وتطوير له أثره الواضح في الجانب الكيفي والنوعي وهو الجانب الأهم والمرتكز الأقوى في مسيرة التعليم الجامعي من وجهة نظري لأن نوعية التعليم وجودته تؤدي غالبا إلى تقديم مخرجات متميزة للمجتمع وبمواصفات تقترب من المواصفات العالمية أو تنافسها إن لم تتفوق عليها.
المؤشرات تدل على ضعف في مخرجات الجامعات نتيجة للسوء الذي يعاني منه الجانب النوعي من سنوات طويلة ويرد جل هذا الضعف إلى تدني مستويات كثير من أعضاء هيئات التدريس في الجامعات نتيجة لسوء الاختيار أوغموض معايير الاستقطاب والتعيين وفوضويتها ناهيك عن ضعف التدريب وقصور النمو المهني للعضو أثناء الخدمة في سلك التدريس الجامعي.
ولا غرابة في سوء عمليات الاختيارات التي تقوم بها جامعاتنا في استقطاباتها لأعضائها طالما بعض مديري تلك الجامعات لا يتورعون عن ضرب الأعراف الأكاديمية عرض الحائط وركل اللوائح والأنظمة الجامعية بأقدامهم بتجاوز صلاحيات مجالس الكليات والأقسام العلمية ووضع معايير مبتكرة لتعيين المعيدين والمحاضرين والأساتذة. معايير لا علاقة لها بما يطبق في الجامعات المرموقة.
أحد رؤساء الأقسام في إحدى الجامعات أسر لدكتور متقدم للانضمام للقسم ونقط في إذنه قائلا إذا كان لك طريق على مدير الجامعة فلا تتوانى لأنه الطريق المضمون والذي تمر عبره كل التعيينات أما ملفك فسيظل حبيس الأدراج ولن يتحرك قيد أنملة ما دامت الأمور تدار بالجامعة بتلك الطريقة!! الطريقة التي مهدت كل السبل لعدد كبير من الأعضاء الضعاف ليقودوا دفة التعليم الجامعي المترنح.. بعد كل هذا اللت والعجن والفوضى عليك ألا تجهد نفسك بالسؤال عن المناهج والتي تقدم بملازم صغيرة ولا عن طرق التدريس واستخدم الوسائل الحديثة والمختبرات العلمية فهذه ضروب من الخيال! وأخيرا لا تسأل عن مستويات الطلاب والمخرجات لأن مضمون الكتاب باين من عنوانه.
هذا هو واقع عضو هيئة التدريس السعودي! ..أما الحكاية والرواية عن أعضاء هيئة التدريس غير السعوديين فتطول ولا تنتهي.. أغلب من تستقطبهم جامعاتنا من أعضاء هيئة التدريس غير السعوديين من النوعيات الضعيفة في بلدانهم فالمتميزون لا يرضون بمغادرة أوطانهم مهما كانت المغريات والأقل تميزا يذهبون لدول الخليج لأنها تدفع أكثر منا ويبقى لنا الضعاف وأصحاب الشهادات المضروبة وحين يباشرون العمل في جامعاتنا تتكشف الفضائح لمجموعات لا يستهان بها منهم والأيام القادمة حبلى بالمزيد من الفضائح والكوارث العلمية ما لم تلتفت وزارة التعليم العالي لهذا الملف الملغوم والخطر!.
قد نلوم عضو هيئة التدريس وننعته بالضعف وتدني المستوى لكننا لا نفطن إلى هزالة ما يقدم من جهد لتطوير قدراته وأدائه المهني.. ودعونا نسأل كم مؤتمرا أو لقاء أو ورشة عمل أو دورة تدريبية تتاح لعضو هيئة التدريس في العام؟ ولنعد السؤال بصيغة أخرى كم ترصد الجامعة من مبالغ في بنود التدريب والتطوير المهني؟ وما نصيب العضو الواحد من هذه المبالغ؟
المستوى المنحدر لعضو هيئة التدريس نتيجة للاستقطاب الخاطىء وضعف أو انعدام برامج التطويرالمقدمة للأعضاء.. وتسرب الأعضاء المتميزين لشركات القطاع الخاص ألقى بظلاله القاتمة على كل النواحي النوعية بدءا من جمود حركة البحث العلمي واقتصارها على البحوث التطبيقية المؤدية للترقية دون أن تترك أثرا واضحا على الحراك العلمي ودون أن تنعكس النتائج على ميدان التطبيق الفعلي من تطوير للمناهج بمحتواها وطرقها ووسائلها ودون أن يلمس هذا التطوير نوعية الإدارة الجامعية أويقدم محاولات جادة للارتقاء بها إلى مستوى الجودة.
على وزارة التعليم العالي مسؤولية كبيرة جدا وشاقة للعناية بالجوانب النوعية حتى لا تتحول الجامعات إلى أشكال خارجية براقة وجذابة ولكنها خالية من المضمون الجيد والنوعي في الداخل وبالعامي خلاخل والبلاء من داخل.