منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، أصبحت القضايا الاقتصادية الشغل الشاغل لأهل السياسة. فأداء الاقتصاد ومقدار النمو ومعدل التضخم ونسبة البطالة باتت العوامل الرئيسية المؤثرة في عواطف الجماهير، الأمر الذي انعكس على مستوى الرضى عن أداء الحكومات واختياراتها في صناديق الاقتراع. هذا الواقع فرضه الوضع الاقتصادي المتأزم للمواطن، ورغبته بالخلاص من هذا الوضع على يد وجوه جديدة لم يكن لها يد في انزلاق الاقتصاد إلى وضعه المأساوي الحالي. فنجد المظاهرات الشعبية الواسعة في كل من اليونان وإيطاليا وإسبانيا التي نتجت عن تبني حكومات هذه الدول خططا تقشفية. وهناك أيضا سقوط رئيس الحكومة البريطانية السابق جوردن براون، على الرغم من كونه أحد الكفاءات الاقتصادية، فقد خدم كوزير للمالية لفترة طويلة قبل توليه رئاسة الحكومة. ولكن هذه العلاقة المعقدة بين الناخب والحكومة قد تعمل ضد الاقتصاد، أو على الأقل، توجهات الحكومة الاقتصادية.
التظاهر ضد خطط التقشف ليس إلا تعبيرا عن سخط الجماهير للوضع المتأزم ليس إلا، فالحكومات لن تتراجع عن هذه الخطط كونها باتت الشر الذي لا مفر منه. في مشهد آخر تداخلت فيه السياسة مع الاقتصاد، بل وعطلت حركة التعافي الاقتصادي، نجد أن مخاوف الألمانية أنجيلا ميركل من سقوط حزبها في الانتخابات المقبلة، أخر عملية إقرار خطة إنقاذ اليونان. فالمواطن الألماني يرفض أن تتحمل بلده تكاليف سوء إدارة دولة أخرى لمواردها المالية، لمجرد أنهم يشتركون معهم في عملة واحدة. ورضخت ألمانيا آخر الأمر لخطة الإنقاذ، بل كانت أكبر الممولين، لأن إنقاذ اليورو مصلحة وطنية ألمانية. ولكن يرى الكثير من الاقتصاديين أن تأخر إقرار الخطة فاقم من الأزمة ومن تكاليفها بسبب الهلع الذي سيطر على أسواق المال الأوروبية والعالمية.
في حين نجد في الولايات المتحدة شكلا آخر لتعطيل السياسة للحراك الاقتصادي. فالحكومة الأمريكية مقتنعة تمام الاقتناع بضرورة الاستمرار في الحزم المالية التحفيزية، ولكن الناخب الأمريكي لا يرى في تلك الحزم إلا هدرا للموارد المالية، وتفاقما في مشكلة الدين العام الذي تخطى عتبة 13 تريليون دولار. وسحب هذه الخطط التحفيزية بشكل مفاجئ سيدفع الاقتصاد الأمريكي بدون أي شك إلى ركود مزدوج طويل الأمد. ولذلك فإن الحكومة الأمريكية ستواجه معضلة صعبة الحل مع نهاية الربع الثالث من هذا العام، لأن أموال الحزم التحفيزية المقرة ستنفد وستكون بحاجة إلى التجديد. وبالتالي فإن الحكومة الحالية تواجه التضحية بالانتخابات المقبلة في سبيل إنعاش الاقتصاد، الذي لن يحس الناخب بأثر تحسنه بشكل مباشر، بل قد يستغرق أعواما طويلة، وبالتالي يفوت على الإدارة الحالية أن تصب جهودها لتحسين الاقتصاد في صناديق الاقتراع.