نفى وجود صراعات في الأندية الأدبية.. وأكد أن بعض المثقفين مملون
لا يجد الروائي عبده خال، حرجا من إعلان مقاطعته لمعارض الكتاب في دول عربية، معربا عن رفضه لما وصفه بالأسلوب الذي لا يتماشى مع حرية الإنسان.
ويرى خال أن مشاركات المثقفين في وسائل التواصل الاجتماعي يغلب عليها استعراض العضلات، ويجدها حراكا ثقافيا غير مثمر، مشيرا إلى أن المثقف صاحب الفكر المنغلق سجين للأيديولوجيا، كما أن أصحاب الفكر الأحادي مسيطرون على المجتمع ويقودونه نحو طريق مسدود.
هكذا يبدو عبده خال الذي تحدث مع الوطن في حوار صحفي بعمق عن عدد من القضايا الفكرية والثقافية، ولكن حديثه بدأ بالتشتت، وضاعت منه العبارات حينما استدعيت ذكرياته في حي الهنداوية بجدة، وعلاقته بصديقه الفنان محمد عبده في الطفولة المبكرة، لكنه خرج من ذلك الحرج بوعد أن يلخص تلك الذكريات في كتاب.. فإلى الحوار:
تعددت الآراء حول الحراك الثقافي في المملكة، وتراوحت بين نظرة إيجابية متفائلة، وأخرى ترى عكس ذلك، أين يقف عبده خال من ذلك؟
عندما نتحدث عن الساحة الثقافية، دعنا لا نقتصرها فقط فيما يكتب سواء رواية أو شعر أو نص، إذ إن هناك أدوات أخرى من أدوات الفن كالسينما والمسرح والموسيقا، مفقودة لدينا، ولذلك يبدو أننا نركز على النص والقصة والرواية ونهمل غياب بقية الفنون الأخرى، وهذا أمر غريب لم يتلفت إليه المثقفون، فكيف لثقافة أن تسير وبها مكونات غائبة.
وفي هذا السياق أحب أن أشير إلى أن أدوات التواصل الاجتماعي، رغم أنها أحدثت حراكا، إلا أنه غير مثمر، وأصبحت عبارة عن مجرد تبادل للاتهامات أو إظهار عضلات ثقافية لكل فرد من المشاركين، كما أنها ملأت فراغ كثير من المثقفين، واختطفتهم من الانشغال بإيجاد مشاريع أدبية أو الاهتمام بالمسرح وأفلام السينما، وتحولت الثقافة إلى إرسال مختصر، وفي نفس الوقت غير منتج، بالنسبة للمنشغلين بالثقافة.
أشرت إلى أن مشاركة المثقفين في وسائل الاتصال تحولت إلى إبراز عضلات، واستعراض ثقافي، ما الذي قاد إلى ذلك، رغم أننا نتحدث عن طبقة يفترض فيها أن تكون أكثر وعيا وإدراكا؟
السبب هو أن عدد المرسلين أصبح أكثر من المستقبلين، بمعنى أننا جميعا تحولنا إلى باثين للثقافة، ليس هناك مستقبل يريد أن يستمتع أو يفكر، وعلى سبيل المثال، في مواقع التواصل لا تستطيع أن تحجر على شاب مراهق أن يبث شيئا ما، وهذا البث لا يحمل معرفة عميقة تتيح للمستقبل أن يقيم أو يستمتع، وتفتت مفهوم القراءة، فلم يعد هناك عمق قرائي أو إبداعي، ولو افترضنا أن هذا الشاب مشروع روائي، نجده يمضي ثلاثة أرباع يومه على الإنترنت، وينجز موهبته في لحظات سريعة.
ما العوامل التي أنتجت ذلك؟
الساحة الثقافية ليس في المملكة فقط، بل في جميع العالم العربي، حدثت لها اهتزازة بسبب الربيع العربي، أصبحت متابعة الثورات العربية، متابعة من غير تحليل واستنباط وتأمل وعمق لما يريده الإنسان، حدث نوع من الاختطاف في جوانب متعددة لهذه الثقافة، حتى إنني طالبت من لديه مشروع إبداعي خاص به أن يعتزل تلك المواقع، أو يمكث فيها قليلا، حتى لا يضيع وقته في عدم إنتاجية.
ماذا عنك.. ألم تؤثر عليك تلك الوسائط على المستوى الشخصي؟
لم أقل تلك النصيحة، إلا وقد سبقت أن طبقتها، أنا لا أمكث في مواقع التواصل الاجتماعي طويلا، وأغيب عنها لأيام عديدة، وإذا حضرت في اليوم أحضر نصف ساعة وأخرج، لأن الشخص محتاج أيضا إلى القراءة، فالمطابع تضخ في اليوم آلاف الكتب، ويحتاج المرء إلى الاطلاع على أفكار جديدة، تسكن ضمن بنيته الثقافية، وأتصور أن كاتب الرواية أو كاتب القصيدة، عليه أن يبقي على تأزماته، وتوهجاته، الداخلية لكي يحولها إلى مشروع كتابي، بينما المكوث في تلك المواقع يقلل هذه الرغبة، ويطفئ الكثير مما لدى المبدع، وكذلك التداخل مع الكثير من المشاركين في تلك المواقع يحبط، لكون تلك المشاركات ركيكة الثقافة.
حينما ذكرت أن عدد المرسلين أصبح يفوق عدد المستقبلين، لماذا استخدمت مصطلح بث الثقافة، وليس بث المعلومة؟
جميعنا نمتلك المعلومة، لكننا لا نمتلك المعرفة، والفرق شاسع بينهما، فالمعلومة هي الثمرة النهائية لمعرفة طويلة، وعليك أن تستوعب ما هي المعرفة التي أفرزت هذا المنتج الثقافي، الآن الأدوات التواصلية تستطيع أن تمنحك المعلومة في أي وقت، لكنها لا تمنحك المعرفة، ولذلك أدعو إلى المعرفة وليس إلى المعلومة.
هناك اتهامات توجه للمثقفين بأن بعضهم قد يتبنى فكرة ويظل سنوات طويلة متمسكاً بمفهوم واحد أو فكرة واحدة، ويرفض أن يطور من فكره، ونجده طوال الوقت يردد ما يعزز مفهومه الخاص، ما رأيك؟
الكلام الذي تتحدث فيه يتفق مع المؤدلج، ودائما صاحب الأيديولوجيا أو المنتمي إلى أيديولوجية ما، هو مرتهن لها ويرفض الأفكار الأخرى، وهو ما أسميه سجن الأيديولوجيا، والمعرفة أشبه بمكان به كافة التضاريس، يستوجب التنقل من جهة إلى أخرى كمعرفة وليس كتزمت، وعندما تتزمت ستتحول إلى صخر متدحرج بفعل تلك الأيديولويجيا، ومهم كثيرا للمثقف أن يكون خارج الأيديولوجيات لكي يستطيع أن ينمو ويتطور مع كل فترة زمنية يعيش بها.
هناك عدد من المثقفين، ومنهم عبده خال يتخذ أسلوب المقاطعة لعدد من الفعاليات الثقافية، تعبيرا عن موقف محبط من واقع التعامل مع المثقف، إلا أن هناك من يرى في ذلك سلبية لا جدوى منها.. هل لك أن توضح موقفك؟
ربما أنت تشير إلى مقاطعتي لمعارض الكتاب في الجزائر، والكويت، والرياض، تلك كانت مقاطعة ليس للثقافة وإنما مقاطعة لمن يدير تلك الأنشطة الثقافية، والفرق كبير بين أن تقاطع إدارة وأن تقاطع الثقافة، حيث كانت المقاطعة للأسلوب الذي لا يتماشى مع حرية الإنسان في أي بقعة من بقاع الأرض، من حيث المنع والحجر على بعض الأفكار والكتب.
رغم أنك رفضت الطبقية والنخبوية في حديثك، إلا أن الواقع يشير إلى أنه ما زال هناك بون شاسع بين طبقة المثقفين، وبين المجتمع، وما زال كل منهم يعيش شأنا منفصلا عن الآخر، ما هي الأسباب؟
ـ المثقف لم يتخلص من وهم النخبوية، وتم تشويه صورته من قبل جهات مختلفة، أرادت له أن يسير مشوها في مجتمعه لكي لا يتم التواصل بينه وبين المجتمع، وإذا أردنا أن نتكلم عن تفصيلات داخل مسمى المثقف، هناك أيضا مسألة أخرى تتمثل في أن المثقف ظل مهمشا لفترة طويلة في واقعه، وكمثال: لو أن أستاذا في علم النفس أو الاجتماع قال كلاما، وقابله شخص آخر لا يمتلك من المعرفة إلا القليل القليل جدا، لكن له صفات معينة، لنقل مثلا إنه إمام مسجد لكنه لا يمتلك كما هائلا من المعرفة أو التفاصيل على المستوى الاجتماعي، تتصور ممن سيقبل الكلام؟!، لن يقبل من البروفيسور ولكن سيقبل من الإمام، وبالتالي نحن كسلوك اجتماعي أخفينا المثقف وغيبنا دوره في المجتمع مقابل الخطيب الواعظ، وهنا تتشكل مشكلة كبيرة جدا ربما أرادتها السلطة مبكرا واستمرأتها وواصلت فيها، وربما كانت نتاج مجتمع أراد أن يكون على هذه الصيغة، ومن هنا لا يلام المثقف، لأنه إذا قال جملة تكالب عليه المجتمع، حيث إن المجتمع غير قابل للتعددية، وأي مجتمع يسير بفكر أحادي سيصل في فترة زمنية ما إلى طريق مسدود، ونحن وصلنا أكثر من مرة إلى هذه الطرق المسدودة.
تشهد الفعاليات والأنشطة الثقافية باستثناء البعض منها كمعرض الكتاب، ومهرجان الجنادرية حضورا هزيلا ومتواضعا، وفي الغالب يكون الحضور هو ذاته في كل مناسبة، أين يكمن الخلل؟
منذ القدم ورواد الثقافة قلة وليسوا كثرة، وفي المقابل فإن بعض اختيارات الأندية الأدبية والمثقفين للمواضيع تثقل على عقليات بعض المرتادين لبقية الأنشطة الأخرى، أي أنها تطالبك ببذل مجهود فكري، ومن ثم فإن ما لا تستطيع أن تتعرف عليه بسرعة وسهولة يصبح غير جاذب، والثقافة بطبيعتها غير جاذبة، وهي في نفس الوقت تستهوي الجادين، وهؤلاء دخل في حياتهم الكثير من الاحتياجات الحياتية وبالتالي يعوض عن ارتياد الأندية والفعاليات بما يعرض بالصحافة.
إذا أفهم منك أن المثقفين مملون؟
ما يقال ممل، لأن الاختيارات أيضا لا تريد أن تتنبه لما يموج في المجتمع من تغيرات جذرية، فلم يعد الجمهور جلدا على تقبل المعرفة، وفي هذا الصدد عرضت أكثر من مرة عندما كنت في مجلس إدارة النادي الأدبي مشروع المقهى الثقافي، والهادف لجعل الثقافة في متناول الجميع ، بمعنى أن تكون موجودة في السوق والمقهى وموجودة في صالون الحلاقة، ليس إجبارا على تعاطيها، وإنما مجرد تواجدها سينمي الأعداد المستهلكة لهذه الثقافة.
هذا النوع من المطالبات، دائما ما نسمعه على ألسنة المثقفين، لكن لو عدنا إلى الماضي وجدنا أن رواد الثقافة هم من كانوا يتولون إقامة مثل هذه الأنشطة والأندية، التي تحولت لاحقا إلى مؤسسات مجتمعية، فما تعليقك؟
ـ لم تكن الأنظمة بهذا التعقيد الحاصل الآن، مثلا في السابق إذا أردت أن أقيم صالونا أو أقرأ قصيدة في مقهى أو آخذ دور الراوي، لم يكن هناك ما يحول بيني وبين هذا الفعل من الناحية التنظيمية، أما الآن فلو أردت أن أقيم مقهى ثقافيا فلا بد أن تركض في عشر جهات لتحصل على الترخيص، إضافة إلى وجود تشويش على المثقف، من حيث اتهامه بأنه على ضلال أو فاسق أو ماجن، وهذا يحول بينه وبين الآخرين في إيصال ما يؤمن به.
إذاً هل نفهم أن الجهات التنظيمية أعاقت الثقافة لدينا؟
دعني أقفز بك من الوزارة إلى الأندية والجمعيات، فالنادي مسموح له أن يتحرك كما يشاء، لماذا يظل مغلقا طوال الأسبوع، ويخصص فقط ساعتين في الأسبوع لإقامة نشاط؟ الثقافة متى ما تم تحريزها أو تقنينها بحيث أن المتلقي لا يصل إلى هؤلاء الباثين في الثقافة، فهنا يحصل التعطيل، والآن وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الزمان وليس لدينا نقابة للصحفيين والأدباء واتحاد للكتاب، أعتقد أنه لو كان هناك اتحاد لتواجد فيه عشرات الكتاب والمثقفين، وبالتالي تواجد من يريد أن يستهلك الثقافة ويرغب في التحاور مع أحد تلك الشخصيات.
كيف ترى الصراع بين الأندية الأدبية؟
ليست هناك صراعات، وإنما هناك التزامات تنظيمية تحول بين ما يرغب فيه الأدباء والمستهلكون لتلك الثقافة وبين هذا التنظيم، بمعنى ما الذي يمنع أن يتحول النادي إلى بوابة مفتوحة ليلا ونهارا، وما الذي يمنع تواجد المسرحيين والفنانين التشكيليين والموسيقيين في جمعية الثقافة والفنون، وأن تكون الجمعية خلية لتجمع هؤلاء الفنانين، عشرات المواهب الشابة من عازفين وممثلين وكتاب وفنانين تشكيليين لا يجدون مكانا لدخول الجمعية لأنها مغلقة.
هل تؤيد فصل الثقافة عن الإعلام؟
أنا ضد أن تكون هناك وزارة للإعلام في الأساس، وكذلك للثقافة، نحن بدأنا من نقطة انتهى منها العالم، فعندما تم تأسيس وزارة للثقافة ودمجها مع وزارة للإعلام، كانت الدول تتخلى عن وزارة الإعلام، وفي الزمن هذا لم يعد هناك معنى لوزارة الإعلام في ظل انفجار أدوات التواصل بهذا الكم وهذه الكيفية، في السابق أوجدت وزارات الإعلام من أجل السيطرة وبث ما تريده الحكومات، من أفكار وسياسات، وكان ذلك مقبولا في السابق، لكنه في الوقت الراهن ليس له معنى، وكان من المفترض أن تتحول كل وسائل الإعلام إلى وسائل خاصة، بمعنى أن تتحول إلى مستثمرين لإدارتها، وليس موظفين.
أعلنت قبل العام الماضي مقاطعة معرض الرياض الدولي للكتاب، بسبب ما أسميته حجرا على المثقفين، إلا أنك شاركت به مؤخراً، هل تغيرت قناعاتك أم ماذا؟
في ذلك الوقت عارضت المشاركة لتدخل فئات أخرى في المعرض، ومنعها عرض بعض الكتب، واستجابت الوزارة لهذا المنحى، وكنت آنذاك مدعوا، أما في حضوري الأخير فقد حضرت بصفتي الشخصية ولم أكن مدعوا، وحضرت لوجود روايتي الجديدة لوعة الغاوية، وكانت معروضة في المعرض، وحضرت لآخذ نسخا منها، وألتقي ببعض الأصدقاء، ولم أحضر بصفة رسمية.
قبل عدة أيام، كانت هناك ندوة للفنان عبدالإله السناني، وتحدث عن قلة كتاب الدراما في المملكة، وقال إنه لا يوجد منهم من كتب في حياته رواية واحدة، وربما كان يرمي إلى تقصيركم ككتاب في كتابة أعمال درامية.
لم أستمع للندوة، ولكن من خلال ما ذكرته يظهر عجز للتمييز بين كاتب الرواية، وكاتب السيناريست، وأرى أن المشكلة تعود لكون صناع الدراما يعشقون جمع المال، ولا يلتفتون إلا لما هو سهل، فهل تتصور أن يكون لدينا 54 كاتب قصة ليس بينهم أحد لديه نص قابل لأن يتحول لمنتج درامي، وهذا يعود للمنتج الذي يريد عملا سهلا وبسيطا، ولا يرغب أن يقرأ، إضافة إلى أنه لا يتم صناعة سيناريست حقيقي بحيث يعمل على تحويل عمل روائي حقيقي إلى مسلسل، والمشكلة ليست في الكاتب، فلو تحدثنا عن عبده مثلا، فهو لا يريد أن يتحول إلى سيناريست ولا يرغب في ذلك، لكن ما أنتجته من كتابات، كان من المفترض أن يأتي منتج ما ويقول أعجبتني الرواية الفلانية وأرغب في تحويلها إلى عمل درامي.
مالفرق بين حقول وأشواك، وهل تغيير التسمية يعود إلى تغير في زاوية النظر لعبده خال تجاه القضايا؟
أنا كنت أكتب تحت اسم حقول، حيث إنني ابن مزارع عتيد من أسرة مزارعة، وقد أكون الوحيد الذي شذ عن هذه القاعدة ولم أواصل مهنة الآباء والأجداد، وظل حب الأرض في داخلي، وكتبت لفترة طويلة تحت مسمى حقول، وعندما تم ترشيحي للكتابة في زاوية يومية في عكاظ، أرسلت 3 أو 4 مقالات تحت مسمى حقول إلا أن رئيس التحرير الدكتور هاشم عبده هاشم، وجد أن حقول فيها ميوعة لا تتناسب مع كاتب يومي في مسائل اجتماعية تحتاج إلى أن يكون عنوان الزاوية أكثر صلابة، فظللت حائرا، فطلبت اختيار أي شيء له علاقة بالأرض، واختاروا لي مسمى أشواك.