عايض الميلبي

في ظل الانفتاح على العالم بثقافاته ومعتقداته وتوجهاته المختلفة تبرز حاجة الأمة إلى المحافظة على موروثها الأصيل الذي قامت عليه. ولأن أمتنا العربية تمر بمرحلة تجاذبات فكرية أفرزتها ظروف العصر ومتغيراته المتسارعة، فإنه لا سبيل لمقاومة التيارات المعاكسة سوى العودة لمراجعة التاريخ الإسلامي المجيد الذي يزخر بقادة عظام حملوا هم الدين وضحوا بأنفسهم وأموالهم من أجل نصرته. ومعلوم أن الحقبة الزمنية الذهبية التي شهدت تحولات وإنجازات غيرت طابع الحياة بعيدة عنا وتفصلنا عنها قرون عدة؛ لذلك فإن نفض الغبار عن كتب السيرة النبوية وحياة الصحابة ومن سار على نهجهم من بعدهم وقراءتها بتمعن هي الوسيلة الحقيقية لمعرفة أسباب عزة وقوة تلك الأجيال. لكن كون القراءة لدينا ضعيفة إلى حد كبير، وكون شاشة التلفاز هي الوسيلة الإعلامية الأكثر متابعة من قبل شرائح المجتمع المختلفة فإن استغلالها لعرض الأحداث التاريخية الإسلامية بأسلوب حديث أمر له إيجابيات لا يجهلها ذو لب وبصيرة.
وفي هذا السياق أحسب أن مسلسل عمر الذي سبق عرضه زوبعة أثارها المعارضون والمؤيدون قد أتاح لمتابعيه فرصة كي يشاهدوا تمثيلاً لوقائع بداية الدعوة الإسلامية؛ وفي ذلك يتبين الجهد العظيم الذي بذله رسولنا الكريم-محمد- صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين من أجل تحقيق التوحيد لله وحده لا شريك له، ولقد تعرض المسلمون للتعذيب والتخويف لصدهم عن دين الحق لكن رغم ما عانوه ثبتوا وواصلوا إلى أن كتب الله لهم النصر والعزة. وفي خضم الأحداث المتتابعة تتضح الصفات الحسنة التي كان يتحلى بها صحابة رسول الله من شجاعة وكرم وصبر وإخلاص، وحب بعضهم لبعض، وتطلع لمعالي الأمور وغير ذلك، ولا شك أن الأجيال الراهنة بحاجة لمن يطلعها على سيرة الصالحين علها تحرك ساكناً وتثير في النفوس الهمة العالية والسعي لما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وفي ذات الوقت تبعد شباب الأمة عن سفاسف الأمور وعن الحياة الهامشية التي تورد أصحابها الذل والهوان.