أحمد كان حريصا على أن يأخذ من الصحف ما يسمح له بها ليقرأها ويتأمل الصور الموجودة فيها التي توحي له بحياة أخرى خارج أسوار مدينته الصغيرة (قنا)

يتذكر أحمد تلك اللحظات التي عرف فيها الثقافة وبدأ يقرأ في الصحف؛ في قريته النائية لم تكن تتجاوز قراءاته الكتب المدرسية، وشيئا من قصص كان يستعيرها من مكتبة المدرسة لبعض دور النشر اللبنانية، كان مغرما بقراءة تلك القصص وشغوفا بها وخاصة حين كان يشجعه أستاذه السوري (حسن موصلاوي) أن يستعير كل أسبوع قصة من تلك القصص الجميلة التي كان يسبح مع خيالاتها ويتأمل طويلا رسوماتها الملونة، يتذكر أنه قرأ (الأنف العجيب، والأميرة الحسناء، والقداحة العجيبة...) وغيرها من القصص، لكنه بين تلك الجبال لم يكن يعتقد في ظل حركة حياته الدائبة التي تبدأ قبل الفجر وتتوقف الحياة قبيل العشاء لم يكن يعتقد أن حياة أخرى تستكن وراء تلك الجبال، حتى قدر له يوما وهو مع أغنامه على (ماء الغيل) وقد مرت عليه سيارة البريد وكان يقودها رجل عرفته المنطقة وارتبطت به كونه عامل بريد اسمه (سحمان المعشوري)، وحين رآهم دفع إليهم بجملة من الصحف القديمة، يتذكر أن منها صحيفة (الرياض، والجزيرة)، بدأ الطفل يتصفح هذا الكائن الجديد يقلب تلك الصفحات الكبيرة والمليئة بالكتابات والصور ولم يكن يهمه بالطبع التاريخ ولا كونها زادا يوميا، كان منهمكا في قراءتها واصطحب بعضها معه إلى البيت، ومن الطبيعي أن تكون أثارت في ذهنه أسئلة لن يجد لها بالطبع إجابة في مجتمع لا يهتم بذلك ولا تشكل له هذه الصحف أي شيء بكل ما يعنيه هذا النفي.
عاد أدراجه لكتبه المدرسية التي يعكف عليها كل صباح ومساء، وبقيت هذه الصحف تثير أسئلة في رأسه، لكنه بعد أن انتقل لإكمال دراسته وتجاوز أسوار القرية ليكمل دراسته المتوسطة في المعهد العلمي، وجد في ذلك المجتمع صورة لتلك المقاربات الذهنية الصحفية حين كانت تصدر جامعة الإمام صحيفة (مرآة الجامعة)، وبقي سحمان مصدرا وحيدا لتوزيع ما تبقى من الصحف التي يوصلها للمعهد، والتي كان يمر عليها أحمد في مكتب البريد في أحد أزقة حي (المبنى) في طريقه إلى السوق. كان حريصا على أن يأخذ من الصحف ما يسمح له بها (سحمان) وكان يتجه بها معه إلى البيت ليقرأها ويتأمل الصور الموجودة فيها التي توحي له بحياة أخرى خارج أسوار مدينته الصغيرة (قنا).
أما معرفته للصحف بطريقة نظامية فلم تكن تتجاوز معرفة بعض الصحف الرياضية التي كانت تصدر بشكل أسبوعي وقد أسهمت مكتبة الجزيرة وصاحبها حسين مريع في تغذية الوعي بما كانت توفره من صحف كان أولها تلك الصحف الرياضية (عالم الرياضة) ثم تبعتها صحف أخرى كان يوفرها في مكتبته في السوق كصحيفة (عكاظ، والرياض، والجزيرة ) التي كان أحمد يشتري بعضها بما يتبقى في جيبه من فسحة المدرسة.

عبدالرحمن المحسني - شاعر وناقد