من يتابع ما تقوم به كل من قطر والسعودية، وما تقدمانه من دعم للشعب السوري، يدرك بما لا يقبل مجالا للشك، أن الأمة ما زالت بخير، فليس من باب المبالغة أو التجميل والتزيين أن نقول: إن ما قدمته كل من قطر والسعودية للشعب السوري في محنته، أمر يستحق أن نرفع له قبعة التقدير والاحترام، وأن نقول وبأعلى صوت: إن الخير ماض في أمتنا إلى يوم القيامة، كما أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد تفاعلت قطاعات واسعة من الشعبين القطري والسعودي، مع حملات التبرع التي انطلقت هناك نصرة ودعما للشعب السوري المظلوم، وسجلت الحملات الشعبية، حالات نادرة من نكران الذات والإيثار والتضحية.
بل ربما كان لتلك الحملتين اللتين جاءتا متقاربتين في زمانهما، أثر بالغ في تشجيع شعوب أخرى على سلوك ذات المنحى في تقديم الدعم للشعب السوري.
منذ اليوم الأول لثورة الشعب السوري ظهر جليا أن لقطر والسعودية موقفا واضحا ودقيقا وعمليا وقادرا على فهم تداعيات الأمور، فلعبت السياسة في بادئ الأمر دورها، وقدمت قطر والسعودية وأيضا الجامعة العربية المبادرة تلو الأخرى، لا لإنقاذ النظام السوري كما روج البعض في حينها، وإنما لإنقاذ ومساعدة الشعب السوري.
لقد أدركت كل من قطر والسعودية مبكرا، أن النظام الأسدي لا يرحم، وأنه يقوم بقمع المتظاهرين، وأنه لن يتوانى عن استخدام كل ما يملك في سبيل الحفاظ على وجوده، فسارعتا من أجل أن يكون هناك حل سياسي مبكر، وقدمتا المبادرات وقادتا تحركا عربيا كان فاعلا ولافتا، غير أن عنت النظام بدد كل تلك الفرص، وضيع على نفسه فرصة خروج، أقل ما يقال عنه إنه خروج آمن، لتبدأ بعدها مرحلة أخرى من الدعم القطري والسعودي للشعب السوري، تمثلت في الدعوة إلى تسليح الشعب لحماية نفسه، فبعد أن ضيع النظام فرص الحل السياسي، لم يكن هناك من بد سوى دعم الشعب من خلال تسليحه، وهو أمر لم يرق للكثيرين، غير أنه أثبت مصداقيته وجدواه، وصار ربما مطلبا دوليا، بعد أن كان محصورا في قطر والسعودية.
لم تثن تلك الحملات المغرضة التي شنها البعض، قطر أو السعودية عن وقف الدعم للشعب السوري، بل إن الأزمة وكلما طال زمنها، أثبتت مجددا النظرة الثاقبة لقطر والسعودية في التعامل معها، حتى بات العالم اليوم يعيش أزمة كبرى بسبب بطء تفاعله مع تلك الأحداث التي جرت في سورية.
ليس منة أو تفضلا أن تقف قطر أو السعودية إلى جانب الشعب السوري، بل هو الواجب؛ الواجب الذي تدركه الدولتان كلاهما، وتعملان على القيام به، وهو أيضا استجابة للنداء الإنساني الذي رفض تلبيته الكثيرون من أصحاب الدعوات الإنسانية، تحت ضغط مصالحهم.
الحملات الشعبية التي جرت في كل من قطر والسعودية للتبرع للشعب السوري المنكوب، دلت وبشكل جلي على أن قطر والسعودية إنما كانتا تتحركان في دعمهما للشعب السوري، تحت غطاء شعبي، فلقد شهدت حملة كلنا للشام التي أقيمت في قطر، حالة تفاعل شعبي لم يسبق لها مثيل، مؤكدة من جديد على عمق الجرح السوري في جسد الأمة.
لقد حرك هذا الجرح تلك المشاعر النبيلة وحولها إلى سيل دافق من التبرعات وصلت إلى أكثر من 212 مليون ريال قطري خلال أيام معدودة.
إن ما تعرض له الشعب السوري من نكبة يفوق كل التصورات، لم يترك فرصة لأصحاب المواقف الرمادية، بل فضح كل من سعى إلى المتاجرة بالدم السوري على حساب المبادئ والقيم النبيلة، وكان ضربة قاصمة لأصحاب المشاريع الإقليمية، كما أنه أعاد رسم واقع جديد للأمة من خلال تلك النصرة الشعبية لقضية الشعب السوري، ليس على مستوى الوطن العربي وحسب، وإنما حتى على مستوى العالم.
التاريخ حي يقظ سيسجل المواقف، وسيكتب من تداعى نصرة للشعب السوري ممن خذله، من رفع شعار الإنسان أولا وسعى لنصرته، ومن خذل هذا الإنسان رغم شعاراته البراقة.
لقطر كما للسعودية قصب السبق في نصرة المظلوم، وليس جديدا الهبّة الشعبية ومن قبلها الرسمية لنصرة السوريين، فتاريخهما يشهد لهما، واليوم يكتبان بمداد من نور، تتمة قصة البذل والتضحية والإيثار خدمة لبني الانسان ونصرة للمظلوم.
تحية لقطر وتحية للسعودية، تحية لكل يد بيضاء امتدت لنصرة السوريين في أزمتهم، تحية لكل قلب خفق لطفل سوري وُجد مقطّع الأشلاء بفعل نيران النظام القمعي، تحية لكل دمعة سابقت أختها وهي تسمع قصة اغتصاب حرة سورية على يد شراذم، تحية لكم أيها الأصلاء وأنتم تسجلون للتاريخ موقف عز وشهامة وتنتصرون للمظلوم، تحية لكم أيها القطريون، قيادة وشعبا، فلقد كنتم أهلا لكل مكرمة، وتحية موصولة للسعودية قيادة وشعبا.
أحمد الرميحي-رئيس تحرير صحيفة العرب القطرية