هناك اقتراحات لحل مشكلات المبتعثات، منها أن يكون هناك قاض شرعي مختص بالقضايا الأسرية في السفارات السعودية، بحيث تكون لديه صلاحيات القاضي داخل البلد ليبت فيها سواء بالإصلاح أو الطلاق أو الخلع

تناول الجزء الأول من هذا المقال قضايا المشكلات الأسرية في بلدان الابتعاث وأسبابها، كما عرض توجيهات وزارة التعليم العالي للطلبة بعدم اللجوء إلى السلطات الأجنبية، وأن القيام بذلك قد يعرض بعثتهم للإيقاف. في هذا المقال نستكمل الحديث عن هذا الموضوع لمعرفة الإجراءات المتبعة حالياً لاحتواء هذه المشكلات، ولاقتراح بعض الحلول التي يمكن بها استباق وقوعها قبل وأثناء فترة الابتعاث.
فالملحقية الثقافية في بلد الابتعاث تحاول ابتداء جمع الأطراف المتنازعة وتقريب وجهات النظر لحل المشكلات ودياً، مع تنبيه الطرف المعتدي على أن تصرفه هذا إذا استمر يمكن أن يهدد بعثته أو يورطه مع سلطات البلد المضيف. ومعظم المشكلات تتوقف بحمد الله عند هذه النقطة. فيما يقرر آخرون تعليق البعثة لفترة مؤقتة والعودة للوطن لحل المشكلة بمساعدة الأهل. أما إذا لم يجدِ التوجيه والنصح لأحد الطرفين أو كليهما، فإنه لا بد من التفريق هنا بين كون المرأة المعتدى عليها مبتعثة أم مرافقة لمبتعث؟ وكذلك الأمر بالنسبة للرجل: مبتعث أم مرافق؟
ففي الحالات التي تتعرض المرأة فيها لعنف جسدي لا تمُنع من قبل الممثليات السعودية من الاتصال بالشرطة من أجل إيقاف هذا الاعتداء وتوقيع المعتدي على تعهد بعدم تكراره، أو من استصدار أمر يقتضي بألا يُسمح له بالعودة لمنزل الأسرة أو الاقتراب منها أو من أطفالها لفترة معينة، وهو ما يُعرف بأمر التقييد أو الزجر (Restraining Order) بحيث لو خالفه يسجن أو يدفع غرامة.
وفي هذه الحالة إذا كانت المرأة مرافقة وغير ملتحقة ببرنامج أكاديمي (بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه)، فإنه يُطلب منها من قبل البعثات السعودية في ذلك البلد إسقاط أية دعوى رفعتها عليه، ويتم منحها تذاكر سفر للعودة للمملكة مع أطفالها، حيث إنه في حالة الخلافات الأسرية في الخارج تقتضي التنظيمات الإدارية السعودية بأن أحد الوالدين حين يعود للمملكة فإنه يحق له أخذ الأطفال معه للوطن، وعلى الطرف الثاني رفع قضية حضانة أمام المحاكم الشرعية في المملكة. فهذه المرأة التي تعود للسعودية وترفع قضية طلاق ضد زوجها المبتعث فإن البعثة السعودية ستخيره إذ أراد ألا تتأثر بعثته: إما أن يعلق البعثة مؤقتاً ويذهب للمملكة لحضور جلسات الطلاق، أو أن يقوم بعمل توكيل رسمي يكلف فيه من ينوب عنه فيها.
والقضية تصبح أكثر تعقيداً عندما تكون المرأة هي المبتعثة، ففي هذه الحالة يُطلب منها أيضاً إسقاط الدعوى أمام المحاكم الأجنبية مع احتفاظها بحقها في أمر التقييد، كما يحق لها توكيل من يرفع لها قضية طلاق أو حضانة في المحاكم السعودية دون الحاجة لمغادرة بلد الابتعاث وقطع دراستها، فحين تزود الملحقية الثقافية السعودية برقم قضيتها وما يثبت رفعها، فإنه يتم نزع ولاية زوجها عنها في مقر إقامتها حتى يُبت في قضيتها في الوطن، فلا يحق له لا فصلها من البعثة ولا التدخل في شؤونها خلال هذه الفترة. وزوجها في هذه الأثناء يتم مواصلة الصرف عليه حتى وقت صدور القرار، لأنه في نظر الشرع لا يزال محرمها في بلد الغربة، ولا يمكنها استبداله بأب أو أخ رسمياً إلا بعد صدور صك الطلاق. فعند تقديم هذا الصك للملحقية فإن الزوج إذا كان قد التحق ببرنامج أكاديمي للدراسة فإنه ينفصل ببعثة خاصة به حتى تنتهي فترة دراسته الحالية. أما في حال كونه في مرحلة دراسة اللغة فيتم إلغاء بعثته كونه لم يعد مرافقاً للمبتعثة الأصلية، وتصرف له تذكرة العودة.
وبالرغم من كون هذا التنظيم منطقياً على الورق، فإنه على أرض الواقع ستقول الكثيرات إن مشكلة رفع قضايا الطلاق في المحاكم الشرعية في السعودية تأخذ وقتاً أطول مما ينبغي، فهذه المبتعثة المغتربة ـ صحيح تم رفع ولاية زوجها الذي ترغب بالانفصال عنه ولم يعد يؤثر عليها في بلد الابتعاث ـ لكن هذا يعني أنها ستمكث مغتربة حتى يصدر الصك وتحرم من زيارة وطنها في أثناء ذلك، لأنه طالما ظل زوجها رسمياً فهو غالباً لن يمنحها ورقة الخروج من المملكة والتي تحتاجها للعودة لمقر البعثة بعد الزيارة.
وهناك اقتراحات لحل هذه المشكلة، منها أن يكون هناك قاض شرعي مختص بالقضايا الأسرية في السفارات السعودية بحيث تكون لديه صلاحيات القاضي داخل البلد ليبت فيها سواء بالإصلاح أو الطلاق أو الخلع. واقتراح آخر بأن تأخذ قضايا المغتربين والمغتربات فيما يختص بالطلاق ونحوه الأولوية لدى المحاكم الشرعية داخل المملكة، ويكون هناك فترة زمنية تتراوح مثلاً ما بين ستة أشهر وسنة كحد أعلى للانتهاء منها.
أما في حال قرر كلا الطرفين أو أحدهما إهمال هذه التوجيهات باللجوء للمحاكم الخارجية ففي هذه الحالة يوقف الصرف عمن رفع هذه القضية.
وإذا كنا قد تحدثنا حتى الآن عما يحصل في حالة وقوع هذه المشكلات، لكننا لم نتحدث عن كيفية القيام بخطوات استباقية لمنع حصولها. فمن الواضح أن الكثير من المبتعثين يعانون من ضعف التأهيل في نواح عديدة، فاستحداث برامج توعوية وتعليمية قبل السفر سيكون له أثر كبير في التقليل من هذه المشكلات. وهذه البرامج الإجبارية سيتم فيها تهيئة الزوجين أو الإخوة لما سيحدث لهم في الخارج على صعيد الدراسة وأنظمة البلد المضيف وأيضاً على صعيد أسرتهم الصغيرة.
والمبتعثون الحاليون يحتاجون كذلك إلى التوجيه، مثل وجود مستشارين أسريين، واستخدام أدوات الإعلام التفاعلي لنشر الوعي بينهم، وتنظيم دورات أو ندوات سنوية للحديث عن هذه المشكلات وكيف تتطور من خلاف بسيط إلى عنف أسري يستدعي تدخل السلطات.
الابتعاث فرصة ذهبية يجب أن تُمنح لمن يستحقها ويقدر قيمتها، وهناك من لا ينطبق عليهم ذلك، وفي هذه الحالة فلا بد من تشريعات تحمي المستضعفين وتحفظ حقوق جميع الأطراف، وتحافظ على سمعة الدولة التي تصرف هذه المليارات لتعليم أبنائها في بلدان الابتعاث المختلفة، ولتحمي سمعة بقية المبتعثين الذين يدرسون بجد ويراعون القوانين، وقبل ذلك يراقبون الله في تعاملهم مع أسرهم.