إبراهيم عثمان

تسألني .. هل لك اليوم وقد أظلنا رمضان بظله الوريف أن تحدثنا عن جوانب فيه جديرة بالتأمل، وأن توجز فلا تطيل، وأن تعتمد الكشف عن الطوايا، فلا تردد لنا ما لكنته الألسن؟!
وأجيبك .. إن رمضان هدهدة رفيقة على القلوب المؤمنة يلفها ببرده الناعم الطاهر البريء.
إنه قفزات روحية ملؤها التدبر والتأمل والاستخلاص.
إنه تربية عملية للنفس المؤمنة يمرسها على التجرد والتحرر من أوهاق الشهوات.
إنه صقل للحس والنفس وصفاء ننهله من معين فياض في عالم المثل.
وهو إلى ذلك كله باعث عميق لذكرى جليلة ولحدث لم يشهد له تاريخ العالم مثيلا.
باعث لذكرى الهمسات المهيبة العذبة التي ألقت بها السماء في أذن الأرض.
باعث لذكرى نزول القرآن، هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.
باعث لإشراقات وإشراقات في تاريخ هذه الأمة المحمدية المجيدة.
باعث لانتصارات للأمة الإسلامية في هذا الشهر العظيم.
باعث لأول انتصار للحق على الباطل، إذ يقذف الله الباطل بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق.
باعث لذكرى الانتصار في بدر إذا أنزل الله ملائكته على المسلمين وأيدهم بجنود لم يروها، وجعل كلمة الله هي العليا.
باعث لذكرى انتصارات كثيرة للمسلمين إذ كانوا يقاتلون لإعلاء كلمة الله وهم صائمون فينزل عليهم النصر ويثبت الله أقدامهم وينزل الرحمات عليهم.
هذا هو رمضان الذي يتوب فيه العصاة، ويتواصل فيه المتقاطعون، وتوصل فيه الأرحام، ويتجلى الله على عباده تجليَّ الرحمة والمغفرة، وينادي مناد من السماء: هل من سائل فأعطيه؟
هل من مستغفر فأغفر له؟
هل من مظلوم فأنصفه؟
فيتجه المؤمنون بقلوبهم إلى الله يسألونه من فضله ويلوذون بكنفه طالبين مغفرته، فيحسون أنهم ارتفعوا إلى ملكوت الله فيحسون بمناجاته بلذة لا تعدلها لذة، وزهدوا في الدنيا وأطماعها ومغرياتها.
فما أحوجنا في رمضان إلى العودة إلى القرآن نتدارسه ونتملى إعجازه، ونتدبر آياته!
ما أحوجنا إلى العودة الصادقة إلى كتاب الله نتمثله في واقعنا بأحكامه، وأوامره، ونواهيه!.
عندها نكون بحق شهداء على الناس، ونكون بحق خير أمّة أخرجت للناس.