دور المثقف أن يعرف طرق الاختلاف وأنواعها ثم يسلك الطريق الذي يؤدي إلى الإصلاح مع الحفاظ على اللحمة وعلى المكتسبات
ما الإجابة الصحيحة عندما يسأل الوطن عن دور مثقفيه؟..إذا كان قد قيل لكل مواطن مهما كان حجم الدور الذي يلعبه في خدمة الوطن:لا تسأل عما يقدمه لك الوطن، بل اسأل عما تقدمه أنت للوطن. وإذا كان المطلوب في الأحوال العادية أن يسأل أي مواطن عما قدمه للوطن، فإنه من باب أولى أن يسأل المثقف عما قدمه للوطن.. وإذا كانت هناك حاجة لدور المثقف في الأحوال العادية فإن دور المثقف في الظروف التي يعيشها العالم اليوم أحوج..المثقف الحقيقي هو الذي يدرك بوعي كامل ما هي مكتسبات الوطن، وكيف تحققت، والجهود والأموال، والوقت الذي استغرق في تحقيقها.. ثم يدرك بوعي كامل ما معنى أن يفقد الوطن كل ذلك.. المثقف الحقيقي هو الذي تكون لديه رؤية عميقة لما يعني الموقف الذي يتخذه وما هي نتائجه.. المثقف الواعي هو الذي يقف خلف الوطن في كل الظروف ويعود معه في كل الأحوال.. يقف خلف قيادته..هنا في هذه الظروف نحافظ على لحمة الوطن وتماسكه.. هنا نقف سداً منيعا لا يمكن اختراقه من كائن من كان.. هنا نضيِّع الفرصة على الحاقدين والحاسدين والأعداء.. وعندما أقول نقف خلف الوطن، أعني أن هناك طرقاً غير التحريض لمعالجة الأخطاء وإصلاحها.. أعني ـ كما يقول المثل ـ أن هناك ألف طريقة للوصول غير نبش الأخطاء وإبرازها وتجاهل المنجزات والاعتزاز بها. لا يوجد في التاريخ ولا حتى في أي عصر مهما كان صلاحه أمة لا تخلو من التجاوز والأخطاء والسلبيات.. ولا يوجد بشر في التاريخ من نوع الملائكة والرسل المنزهين من التجاوزات والأخطاء.. لكن إبرازها والحديث عنها والتكتل وراءها والتحريض.. كل ذلك يؤدي إلى تشويه الصورة وكسر اللحمة وسهولة الاختراق ثم ضياعنا جميعا. التفكُّر.. التفكُّر يا أصحاب الألباب..اليوم مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين.. هل نتجاوب مع التَكَواتْ في المقاهي والمجالس ونتفاخر بانتقاد الدولة والتحريض عليها وتجاهل إنجازاتها وتضخيم الأخطاء والتحريض عليها، ونعمل بذلك على تفكيك لحمتنا وتوادنا وتحابنا وتعاوننا في بناء وطننا والحفاظ على أمنه ومكتسباته وصد العدو المتربص دائماً به؟.. هل نستجيب للدعوات الشيطانية التي تبدأ بالقول يا بتوع الحكومة لترهبك فكرياً وتضعك بجنبها في هدم الوطن ومكتسباته وتستخدمك لأغراضها؟..إذا كانت عبارة بتاع الحكومة تهمة فأنا أقبلها..أقف بجانب قيادة ومؤسسات بلدي.. أنتقدها بحب، وأشير إلى أخطائها بحكمة.. أعينها على التماسك والتلاحم وهزيمة أعداء الفكر الذين يتربصون بها وبشبابها الدوائر.. أنا وأنت نقبل هذه العبارة بذكاء، لأننا نعرف أنها تستخدم لإرهابنا فكرياً لنبتعد عن قيادتنا ونعمل على تسهيل اختراق لحمتنا.. نقبلها بذكاء، لأننا أصحاب نعمة.. وكل ذي نعمة محسود.. نحن مع بلادنا قلباً وقالباً.. في الخير والشر.. مع بلادنا في السلم والحرب.. مع بلادنا في الضعف والقوة.. نطيح معها ونقوم معها.. نخطئ معها ونصيب معها.. نذهب معها ونعود معها.. هذا هو دور المثقف الذي إن كان الوطن يحتاجه في أي وقت مضى فهو أشد حاجة له الآن.. دور المثقف ألا يستجيب لمن ينفخه حتى يستدرجه.. دور المثقف أن يتصدى لدعوات الانقسام والتشرذم عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعون على الإطاحة ببلادنا وأهلنا وضياع وطننا وانقسامه.. دور المثقف أن يحمي الوطن من أن ينزلق إلى أوضاع تُسلب فيها الحقوق وتُهتك فيها الأعراض وتُسبى فيها النساء ويسري فيها الدمار الذي يأكل الأخضر واليابس.. دور المثقف أن يكون واعياً في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المجالس والمنتديات التي تستحلب الفكر المعارض وتشد على أيدي أصحابه وتشيد بهم وبشجاعتهم.. دور المثقف أن يعي تمام الوعي أننا نعيش في ظروف مختلفة وحسَّاسة ينشط فيها المتربصون بنا.. ويحتال فيها أعداؤنا باستخدام شتى الوسائل والحيل لاستدراجنا نحن المثقفين بطرق بارعة وأساليب شيطانية ظاهرها الدسم وداخلها السم الرعاف.. حتى تتحقق أمنياتهم بتمزيقنا وتحطيمنا وتفريقنا.. لنكون نحن في النهاية الخاسر الأعظم. دور المثقف أن يعرف طرق الاختلاف وأنواعها ثم يسلك الطريق الذي يؤدي إلى الإصلاح، مع الحفاظ على اللحمة وعلى المكتسبات.. دور المثقف أن يعرف أن هناك اختلاف تضاد يؤدي إلى المواجهة وتكسير العظام.
إن هذا النوع من الاختلاف شيطاني، لا يؤدي إلى تقويم الإعوجاج، بل إلى التفرقة.. ونوع آخر هو اختلاف التنوع الذي يعني أننا نتفق على الأهداف ونختلف على كيفية الوصول إليها.. دور المثقف ألا ينزلق في المنزلقات الخطرة وينضم إلى فرق التشرذم والانقسام.. نعم نعرف أن لدينا أمورا نختلف على كيفية حلها.. ونعرف أن لدينا ملفات صعبة نختلف على طرق التعامل معها.. لكن ما نراه وما نسمعه وما نقرؤه حولها يؤدي إلى مشكلات أكبر وأصعب من هذه الملفات.. أنا لا أدعو إلى عدم الحديث فيها أو اقتراح الحلول حولها حتى لا يقال إنني مصاب بالجهل.. لكنني أقول إن العالم يعيش ظروفا حساسة، وإننا مستهدفون، وإن مثل هذه الملفات تستغل.. نعم تستغل ويستغل مثلها بفكر منظم وبلاغة في الطرح حتى تبدو بلادنا في صورة مشوهة لا تكشف الحقيقة.. هذا ما أعنيه..
وخلاصة القول.. أنني أدعو هنا محذراً كل مثقف يحب هذه البلاد ويسعى لتقدمها وتماسكها ولحمتها وإحباط خطط أعدائها أن يتصدوا للهجمات الشرسة عليها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الإعلام.. وأدعو كل مثقف محب لوطنه أن يُبْرز مكتسباته وإنجازاته.. وأدعو كل مثقف ألا يضخم أخطاءه إن وجدت وكأن بلادنا لا إنجاز فيها.. وأدعو كل مثقف أن يعي تمام الوعي ما معنى أن نفقد مكتسباتنا على مستوى الأمن وأن نفقد مكتسباتنا على مستوى التنمية.