ما نرجوه - نحن الذين ننتظر انتصار الثورة - هو أن يكون لدى العرب خطة واضحة لملء المكان الشاغر والإسهام في دعم التحول وترتيب البيت السوري، بما لا يسمح للفوضى بالانتشار
الواضح منذ البداية أن أميركا ميالة إلى بقاء النظام السوري وزمرته بسبب حماية هذا النظام للظهر الإسرائيلي الذي ينسدح على هضبة الجولان قرير العين منذ خمسة وأربعين عاماً لم تطلق خلالها أي قنبلة سورية ولو صوتية حتى لا تقلق السكون الإسرائيلي. ومع ذلك فقد استطاع النظام السوري البائد قريباً ـ إن شاء الله ـ التغرير بقطاع لا يستهان به من العرب، على اعتبار أن سورية من دول الممانعة، وقبلها ضمن زمرة دول الصمود والتصدي. والواقع أنها فعلاً أكثر الممانعين في زحزحة الاحتلال الإسرائيلي من الجولان عبر إفشال العديد من المبادرات والحلول التي صمد وتصدى لها.
ومع استمرار تهاوي النظام السوري تدريجياً إلا أن أميركا ما زالت تؤمل في قدرة النظام على قهر الثوار وإعادة الأمر إلى سابق عهده. ومعلوم أن أميركا تبعاً لأجندتها وأهدافها تتدخل بالدعم المعنوي والمادي مع أي تحول يخدم مصالحها، وقد لمسنا ذلك واضحاً في أفغانستان والعراق وغيرها من البؤر المتوترة في العالم بحجة دعم الديموقراطية وبسط الحريات والمساعدة في إزاحة الدكتاتوريات، لكنها مع ذلك لم تتدخل إلى جانب صف الثورة السورية إلا ببعض الكلام الذي هو ذر للرماد في العيون.
عندما أخذ الجيش الحر في السيطرة وعزل بعض المدن قبل أشهر عمدت أميركا إلى تحذير النظام السوري من استخدام السلاح الكيماوي في معركته مع الثوار، وكان معنى هذا التحذير للراسخين في علم السياسة الأميركية أنه إشارة خضراء للنظام لكي يستخدم الطيران الحربي في معركة أمام جيش حر ظهره مكشوف، وبالفعل فقد عمد الأسد إلى استخدام الطيران في قصف المدن والبلدات السورية على نحو همجي، مستهدفاً إرعاب الناس وتهجيرهم ثم إجبارهم على الاستسلام، لكن السوريين ـ كما لم تدرك أميركا ـ قد أزاحوا جدار الخوف وقطع الشعرة الرفيعة بينهم وبين النظام، وهذا بدوره عزز من قوة الثوار وزادهم توحداً وائتلافاً فيما تضعضعت الروح المعنوية لجيش الأسد وتوالت الانشقاقات، لكن ما زالت أميركا الخائفة على إسرائيل، والخائفة من بديل النظام السوري تتعلق بالأمل الأخير الذي جاء في رسالة مباشرة من هيلاري كلينتون التي حذرت قبل أيام من استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وعليك ـ عزيزي القارئ ـ أن تقلب عبارة ضد المدنيين على أكثر من وجه، فهي إشارة خضراء أخرى لاستخدام السلاح الكيماوي، لكن ضد الثوار وليس ضد السكان المدنيين، وفي المقابل فإن الأسد الجريح سيوسع هذه الصلاحية لتشمل المدنيين الذين سيتحجج بأنهم من الإرهابيين الذين يفسدون في الأرض، ولهذا تشير المصادر والدلائل إلى أن النظام السوري في معركة الرمق الأخير يجهز غاز السارين القاتل لضرب المعارضة.
أميركا تؤمل أن يكون السارين فاعلاً في وأد الثورة، وستضع طيناً في أذنها، وعجيناً في الأخرى، حتى إذا فعلها الأسد رفعت الصوت بالاحتجاج والاعتراض وتجهيز العقوبات، وإن لم يحقق السارين أغراضه فإن أميركا ستركب موجة المعارضة وتركب قطار المنتصرين تأييداً، فليس في السياسة حليف دائم ولا عدو مستمر، وليس في السياسة أخلاق فاضلة وطوباوية، فالمنافع هي التي تحدد المسار.
ما نرجوه ـ نحن الذين ننتظر ونترصد انتصار الثورة ـ هو أن يكون لدى العرب خطة واضحة لملء المكان الشاغر والإسهام في دعم التحول وترتيب البيت السوري، بما لا يسمح للفوضى بالانتشار، وبما يحول دون استغلال الأوضاع المأساوية وغير المستقرة في سورية من قبل كثير من الدول الانتهازية، وبما لا يعيد لنا مأساة (الفرس) العراقي الذي امتطيت صهوته في غيابنا.