تبقى مهمة شراء احتياجات شهر رمضان المبارك بمثابة العرف الذي لا يمكن الانفكاك منه حتى أضحت أمراً مسلماً به ومتفقاً عليه بين جميع شرائح المجتمع على اختلاف مداركها، وصارت الأسر تعد العدة لاقتطاع ميزانية خاصة لتلك الاحتياجات، وقد يكون الوضع مقبولاً كمبدأ على خلفية خصوصية الشهر الفضيل، إلا أن المبالغة في الإنفاق أضافت مزيداً من الأعباء المالية، وهو ما دفع الكثير من أرباب تلك الأسر إلى الركض خلف العروض التي تقدمها محلات التجزئة وشبيهاتها وما تضمه من تخفيضات لسلع أساسية تغري الكثيرين لزيارتها، أملاً في خفض نفقات الشراء.
يقلب عبد الحميد السعد، ويعمل موظفا حكوميا، النشرة الخاصة بعروض سوق التجزئة بتمعن، فيما يدفع ابنه الصغير بالكاد عربة التسوق خلفه وهما يدخلان أحد تلك الأسواق، قبل أن نستطلع رأيه عن الموضوع ليرد قائلاً: حقيقة ذهلت من حجم طلبات زوجتي الخاصة بشهر رمضان، لأن المنزل يوجد به كل شيء إلا أنها تصر على أن هناك الكثير من الاحتياجات الأخرى للشهر الفضيل، ولتقليص المصروفات اتخذت قرارين يقولها ضاحكاً ، الأول برفضي ذهابها معي للشراء، والثاني هو قيامي بالبحث عن العروض المختلفة التي تقدمها أسواق التجزئة وشراء السعر الأفضل، وقد حصلت على ما أريد بتكلفة أقل، نعم الأمر متعب ولكنه يستحق العناء على ما أعتقد فمنتج مثل شراب البرتقال التانج وجدته بـ27 ريالاً وهو أقل بـ 8 ريالات عن المعروض خارجاً.
من جهته يصف متسوق آخر، فلاح سالم ويعمل بالقطاع الخاص، عروض التخفيضات الرمضانية بالمفبركة وغير الواضحة حيث يضيف بالقول: أتابع كثيراَ نشرات تلك الأسواق، إنها تتحدث بلغة فضفاضة وليس لها وقت محدد، حيث من الممكن أن تقرأ العرض اليوم، وعندما تذهب في اليوم الثاني ستجد من يخبرك أن العرض انتهى، هم فقط يرغبون في وصولك وتكبدك العناء إليهم لتستسلم وتشتري احتياجاتك، وعلى ذلك يجب أن يكون أحدنا منتبهاً لطرقهم التسويقية التي تصل إلى حد الجشع واستغلال العميل، بالنهاية أعتقد أن الأمر يكون أحياناً مغرياً عبر الزج بأحد المنتجات المطلوبة بكثرة في رمضان مثل الفيمتو والشوربة والمهلبية وغيرها وعرضها بسعر منخفض، ولكنهم يربطون ذلك بضرورة الشراء بمبلغ معين، مع تحديد سقف محدد للكمية المخفضة ، بالمجمل نحن ننفق الكثير سنوياً على شراء احتياجات رمضان بشكل متكلف ومبالغ فيه، ولكن في أحيان يفعل المرء أموراً ليس مقتنعاً بها كثيراً.
الوطن جالت في أروقة أحد أسواق التجزئة الكبرى في الدمام، في وقت كان يقدم فيه عرضاً ترويجياً للعديد من المنتجات الخاصة بالشهر الفضيل مقدماً أسعاراً تنافسية مع ربطها بكمية محددة ، وهي غالباً ضئيلة ولا تكفي المتسوقين، فتؤكد أم يوسف ذلك بالقول: بالفعل هم يضعون كميات قليلة لكل متسوق، وللتحايل على ذلك أحضر في غير أوقات الذروة لشراء العروض، وتقسيمها على أكثر من فاتورة ليمكنني جمع أكبر كمية ممكنة، وفعلت ذلك مراراً، مع بعض التساهل من قبل البائعين، إنه أمر مرهق ولكن ماذا أفعل.
بعدها كان لنا وقفة مع مدير صالة في سوق تجزئة إبراهيم الشامي حيث يعلق على العروض الترويجية الخاصة بهم قائلاً: نحرص على تقديم الكثير من العروض المغرية لعملائنا، وسط منافسة شرسة مع الآخرين، ونحظى بقبول بسبب ذلك، كما نقدر وجهات نظر عملائنا حول حجم الكمية المخصصة لكل عرض، ولكن ذلك يكون خارج إرادتنا لأنه يكون بالتفاهم مع الشركة المصنعة، فنحن بالنهاية منفذ بيع فقط، ورفض الشامي التحدث عن مقدار الدخل في رمضان والفترة التي تسبقه، إلا أن دردشة بسيطة مع أحد البائعين بينت أنهم يبيعون خمسة أضعاف ما يحدث في بقية الأيام.