وأخيراً، تقول الأخبار إنهم افتتحوا بالأمس في خميس مشيط أشهر الأنفاق على مدار تاريخ الابتكار البشري بعد أن استكملوا 90% من هيكله. ولا أعلم أين قضموا بقية النسبة. أشهر أنفاق التاريخ يصلح درساً إلهامياً في التنفيذ والإرادة والإدارة. ثماني سنوات وبضعة أشهر لحفر مساحة بطول مئة متر وعرض ما يقرب من الثلاثين وعمق بضعة أمتار تستطيع حسابها بالشبر المجرد. السؤال المصاحب لسني أشهر أنفاق التاريخ ليس إلا: ماذا حدث بكل الدنيا من حولنا في هذه الفترة التي عجزنا عنها وفيها من إكمال قصة نفق؟ وسنبدأ من الأصغر للأكبر. العامل البنجالي الذي سولفت معه الأسبوع الماضي على رأس هذا النفق الشهير يقول لي إنه عمل خلال الفترة في دولتين وفي ست مدن. نقل كفالته ثلاث مرات حتى اللحظة ومنذ الضربة الأولى في بطن هذا النفق. صديقي (أبوسلطان) الساكن في الحارة المقابلة للنفق يذكر لي أنه تزوج يوم أن كان النفق إشارة على الشارع العام، وأنجب حتى اللحظة ثلاثة أطفال، أصغرهم يستطيع أن يقطع النفق كاملاً في ماراثون قصير. في ذات السنين الثماني، أكملوا (داون تاون) دبي من الأوراق حتى الأبراج.. وعفوا فلا دخل لنا بدبي: اتركونا في تفاصيل النفق.
في ذات السنين الثماني، وكما شاهدت البارحة في تقرير إخباري، تعتزم دولة غانا أن تنهض كي تكون أول نمور أفريقيا. وعفوا لماذا شطحنا من الخميس إلى أكرا النائية؟ اتركونا في النفق. يوم وضعوا حجر الأساس لمشروع هذا النفق لم يكن في جيوبنا جهاز ذكي واحد. كنا نهاتف بعضنا البعض على أجهزة الدقة القديمة. لم يكن في جيوبنا بلاك بيري ولا سلاسل (الآيفون) ولا سلسلة (الجالاكسي). لم نكن نعرف (الآيباد) ولم يظهر لنا بعد اسم مثل ستيف جوبز. يبدو أنه طلع مثل العفريت من بطن هذا النفق. وعفواً، اتركونا في هذا النفق، ولا أعلم لِمَ كررت هذه العبارة ثلاث مرات حتى اللحظة. وعلى القاعدة الفقهية: النفق ليس مهماً للكتابة بما فيه، بل في الأصل لما كان من حوله. في الدرس الذي علمنا إياه. وعفواً لماذا ذهبنا للفقه وللدروس: اتركونا في هذا النفق. بقي منه 10%.