ماذا عن نتائج تطبيق استراتيجية التوظيف السعودية التي مر على إقرارها أكثر من ثلاث سنوات والتي تهدف إلى حل قضايا السعودة وتوطين الوظائف، والمعالجة الجذرية المتكاملة لتشوهات سوق العمل؟

اعترض العديد من رجال الأعمال على قرار وزارة العمل المتضمن فرض رسم (200) ريال شهرياً على كل عامل وافد يزيد على عدد السعوديين في المنشأة، وسبب هذا الاعتراض، تأثيرات التكلفة التي ستترتب على المنشأة الملتزمة بعقود تم احتساب التكاليف فيها دون الأخذ في الاعتبار القرار الجديد، بالإضافة إلى وجود تأثيرات سلبية على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والتي سوف تؤدي في النهاية إلى ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وفي النهاية فإن المواطن هو من سوف يتحمل تلك التكلفة بسبب القرار الجديد.
وأمام هذه الاعتراضات، هناك من يقول إن العديد من الشركات والمؤسسات تقاوم قرارات وزارة العمل بسبب عدم جديتها في التوسع في توظيف السعوديين، والدليل على ذلك ارتفاع هامش الربح بشكل كبير لهذه المنشآت يفوق المعدلات العالمية، بالإضافة إلى وجود ظاهرة التستر والعمالة غير النظامية، حيث درجت العديد من الشركات إلى استخدام هذه العمالة في كثير من مشاريعها، وبالتالي هي لا تتحمل رسوم الاستقدام، ناهيك عن وجود التستر في بعض شركات المقاولات التي استفادت بشكل غير مشروع من نظام الاستثمار الأجنبي! كما أن هنالك دولا أخرى تفرض رسوما تعادل (2500) ريال شهرياً وليست سنويةً على كل عامل وافد ولم تشهد أية آثار سلبية مثل ارتفاع معدلات التضخم أو خروج شركات من السوق.
وبناءً على ما سبق، أستطيع القول إن اعتراض رجال الأعمال على قرار وزارة العمل والدفاع عن حقوقهم أمر مشروع، ولكن هذا الحق لا يجب أن يعطى إلى أصحاب الأعمال غير المشروعة، والذين يستخدمون الاستقدام للمتاجرة بالبشر والتستر، كما يجب أيضاً أن نفهم السبب الرئيسي الذي يقف وراء القرار الجديد لوزارة العمل.
ففي خضم الاعتراضات والجدل الدائر حول القرار والتي في مجملها مصالح خاصة تتحدث باسم المصلحة العامة، نسينا ما تهدف إليه الوزارة من القرار نفسه، فهي تهدف إلى رفع تكلفة العامل الوافد وبالتالي خفض الاستقدام، الذي يعتبر السبب الرئيسي لمشكلة البطالة في المملكة، كما أن الوزارة بصدد تفعيل قرارات أخرى جديدة، منها على سبيل المثال تحديد الحد الأدنى للأجور، وعليه فإن قرار فرض الرسوم قد يحد من سلبيات تحديد الأجور وذلك من خلال جعل تكلفة العامل الوافد أقرب إلى تكلفة العامل السعودي.
وبعيداً عن العاطفة والشعارات المثالية، فإن رجال الأعمال يحرصون دائماً على تقليل تكلفة القوى العاملة، التي تشكل عنصراً مهما ومباشراً في إجمالي تكاليف الإنتاج، فإذا توفرت قوى عاملة سعودية مؤهلة ومدربة جيداً، وفي المقابل توجد عمالة وافدة مدربة ومؤهلة أيضاً ولكن بثلث التكلفة، فإنه من البديهي أن يتم الاعتماد على العمالة الوافدة لتقليل التكاليف مما يعطيها ميزة تنافسية مقارنة بالعمالة السعودية، ناهيك عن وجود شركات ومؤسسات تحتاج فعلاً إلى هذه العمالة بسبب عدم تغطية وعدم وجود العمالة الوطنية الكافية لنشاطها وأعمالها.
وعليه، فإن سوق العمل في المملكة أو بالأحرى وزارة العمل تواجه مشكلة انخفاض أجور العمالة الوافدة، بالإضافة إلى أصحاب الأعمال المشبوهة وارتفاع معدلات الاستقدام، التي أثرت بشكل مباشر على البطالة في المملكة.
وتشير بعض الدراسات والأبحاث إلى وجود حرية نسبية للاستقدام في المملكة، حيث يتميز سوق العمل السعودي بحرية نسبية في الاستقدام تفوق حرية الاستقدام في معظم دول العالم، وبالرغم من وجود قرارات عديدة تهدف إلى الحد منها، إلا أن هناك إشكاليات حدثت عند تنفيذها على أرض الواقع، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:
• القرار المتعلق بالسماح بالاستقدام للمنشآت وفق حاجتها الفعلية وذلك من خلال خطاب تأييد من الجهات الحكومية ذات العلاقة، ولكن ما حدث على أرض الواقع هو الالتفاف على هذا القرار من خلال خطابات تأييد وهمية من خلال استخراج تراخيص أو تصاريح لمصانع أو مزارع أو محلات تجارية غير موجودة فعلياً في السوق.
• الالتفاف على برنامج نطاقات من خلال ما يسمى بالسعودة الوهمية وذلك من خلال تسجيل أسماء مواطنين في التأمينات الاجتماعية وبالحد الأدنى للأجور.
• ظهور سوق سوداء للعمالة الوافدة وغير النظامية أسهمت فيها بعض مكاتب الاستقدام وبعض المؤسسات التجارية، وللأسف يزداد الطلب على هذه السوق من قبل الشركات الكبيرة أيضاً بسبب قلة التكاليف وتجاوز الإجراءات البيروقراطية الطويلة.
ونتيجةً لما سبق، ارتفعت معدلات البطالة مع ارتفاع معدلات الاستقدام، وبالرغم من عدم دقة الإحصائيات في هذا المجال لتعدد الجهات المسؤولة عن ذلك إلا أن هناك مؤشرات تدل على هذه الزيادة، بل وتؤكد على تدني نسبة مشاركة السعوديين في القطاع الخاص.
والجدير بالذكر أن خطة التنمية التاسعة للدولة تستهدف توفير نحو (1.22) مليون فرصة عمل خلال سنوات الخطة، بحيث تكون حصة العمالة الوطنية فيها نحو (1.12) مليون فرصة عمل، بنحو (91.8%) من إجمالي الفرص الوظيفية في حين ستستحوذ العمالة الوافدة على نحو (100.8) ألف فرصة عمل، أي نحو (8.2%) من إجمالي الفرص الوظيفية، والسؤال المطروح هنا: هل استطاعت وزارة العمل تحقيق هذا الهدف؟ أم أن هناك معوقات وصعوبات حالت دون تحقيق ذلك؟
والأهم من ذلك كله، وحتى لا يكون نقاش البطالة والاستقدام وكذلك مناقشة قرارات وزارة العمل بشكل عشوائي: ماذا عن نتائج تطبيق وتنفيذ استراتيجية التوظيف السعودية التي مر على إقرارها أكثر من ثلاث سنوات، والتي تهدف إلى حل قضايا السعودة والتوظيف والبطالة في المملكة، وتهدف إلى المعالجة الجذرية المتكاملة لتشوهات سوق العمل..؟ أعتقد أن الإجابة على هذا التساؤل موجودة لدى وزارة العمل، التي يتطلب منها في هذه المرحلة بأن تكون أكثر شفافية وتعلن عن نتائج تطبيق الاستراتيجية وخاصةً في المرحلة الأولى منها حتى لا تكثر الأقاويل والاعتراضات على قراراتها.