واستكمالاً لحديث الأمس، ما هو الدرس الأهم الذي يكشفه تحقيق (أيتام جازان) حتى نداري ونداوي هذه الفضيحة الاجتماعية المدوية؟ هذه الكارثة الإنسانية لا تفضح إلا عورات الهيئات الرسمية والخاصة في مجال العمل الخيري. اسألوا أنفسكم: أين ذهبت هباتكم وزكواتكم لجمعيات العمل الخيري العام إذا كان مجرد بضعة وعشرين يتيماً ينامون جياعاً ويشحذون شرشفاً كي تستر جلودهم من الناموس؟ لدي في المقابل، أوراق رسمية تبرهن أن عدد موظفي الشؤون الاجتماعية في جازان يفوق عدد اليتامى الذين يأكلون وجبة هزيلة، ومن جيوبهم، كل اثنتي عشرة ساعة. لدي البرهان أن كبار اليتامى يعالجون أخاهم الصغير على حسابهم الخاص في عيادة أسنان خاصة. لدي من البراهين أن في البلد ما يقرب من ألف جمعية خيرية مسجلة بالوزارة لتشتري الأراضي على الشارع العام من زكواتكم وهباتكم بينما اليتيم يشحذهم في علبة فول باردة. على النقيض، سآخذكم إلى القصة المقابلة في العمل الخيري الفردي: في نفس اليوم الذي نشرت فيه الوطن تحقيق العام عن أيتام جازان، كان ناصر بن إبراهيم الرشيد يفتتح مشروعه الفردي الخاص لأيتام حائل. ومعرفتي به تقول إنه لا يحمل سيمياء الداعية الذي تشترطه مجالس جمعيات البر ودور الأيتام، ولم يكن عضواً حركياً ولا ناشطاً في جمعية للمقاصد الخيرية. كل ما يفعله ناصر الرشيد، كثري، أنه يشرف على كل ريال يدفعه في العمل الخيري ليضمن أنه ذهب في مكانه الصحيح. وبدلاً من التهديد بالنقل إلى المناطق الأخرى، كما تفعل المؤسسة الاجتماعية الرسمية لأطفال جازان بالبرهان، يضمن ناصر الرشيد سكناً ودخلاً شهرياً لكل يتيم يتزوج من يتيمة في مشروعه الخيري. فكرة العمل الفردي، ببرهان تثبت تهافت العمل الجماعي حين يركن الأثرياء إلى دفع صدقاتهم إلى بضعة حسابات بنكية لهذه الجمعيات التي تزخر حساباتها بالمليارات بينما اليتيم بيننا يشحذكم وجبة باردة. أين ذهبت في المقطع الصغير زكاة أثرياء جازان وحدها إذا كان الأيتام مجرد بضعة وعشرين يتيماً على ثلاثة (كراتين) من (الأندومي) في الأسبوع وعلى (القطة) لعلاج أسنان صغيرهم في العيادة الخاصة؟ فضيحة لا يجب أن تطير فيها رؤوس، بل أيضاً أن نعيد ترتيب مؤسسات الانتفاع وتضخيم الثروات تحت مسمى العمل الخيري!!!