ما أن تظهر مصطلحات في كتاب أو وسيلة إعلامية تم التعارف عليها منذ آلاف السنين بناء على طريقة العيش أو الأنساب أوالعرقيات كـالبدو والحضر، إلا وتعقبها جدالات كثيرة قد تمتد إلى تفسيرات عنصرية وفئوية متشابكة الخيوط. فالمهاجمون يرون أن من يطرح هذه المصطلحات لا يطرحها إلا من مبدأ الفوقية على الآخر والنظرة القاصرة تجاه الفئة التي لا ينتمي لها، والمدافعون يرون أن الأمر يأتي في سياق التحليل والتصنيف العلمي والثقافي الذي يقرب المفاهيم ويؤطرها بشكل دقيق. إذن فالمسألة تحتاج إلى حذر واحترافية وفهم عميق من قبل الكاتب أو الباحث لاتجاهات وأفكار المجتمع الذي يحيط به. والأهم هو ألا يكتب في هذا المجال الإنساني الحساس جدا إلا من يملك المعلومة الدقيقة والمثبتة بشكل كبير، وإلا سيقع في فخ العنصرية حتى وإن لم يكن كذلك على مستوى التفكير والشخصية.
الحقيقة أن هناك 3 فئات من الباحثين تواجه مزالق العنصرية عند دراسة سلوك وثقافات المجتمعات العربية، وهي فئة الباحثين في الأنثروبولوجيا الثقافية وفئة الباحثين الاجتماعيين وفئة المؤرخين أو الباحثين في التاريخ وما يتعلق به من علوم ومعارف. فالمشكلة التي يواجهها هؤلاء هي الحساسية العالية جدا تجاه نتائج دراسة سلوك أو ثقافة فئة معينة في المجتمع. فهذه الحساسية تصل إلى حد المبالغة وربما العنف اللفظي أو الجسدي تجاه الباحث سواء من قبل الوسط الشعبي أو الرسمي. فعندما يحاول عالم أو باحث في الأنثروبولوجيا الثقافية مثلا دراسة ثقافة محلية أوظاهرة اجتماعية أو سلوكية أو عادات وتقاليد موجودة في مجتمع محيط به، يواجه اعتراضات وتهديدات من جهات وأفراد كثيرين، أو على الأقل توضع أمامه عقبات كثيرة، خصوصا إن كان ينشد الموضوعية، ويتلمس الآثار السلبية لهذه الثقافة أو السلوك على عموم المجتمع، فلا أحد يريد منه سوى التطبيل والمديح وإظهار المزايا والصفات الفريدة لهذه الثقافة وغير ذلك يعتبر اعتداء وتجاوزا للخطوط الاجتماعية الحمراء.
ولكي لا يقال إنني أنزه بعض الكتاب والباحثين من النظرة العنصرية عندما يكتبون عن مجتمع أو ثقافة ما، فإنني أؤكد هنا، أن هناك نماذج سيئة وعنصرية تسعى لتمزيق المجتمع من خلال بعض الطروحات والآراء، وهذه مكشوفة وضعيفة العلم والحجة في كل الأحوال. لكن ما أقصده هنا أن الباحث الأنثروبولوجي الجاد والمؤرخ المنصف يحتاج إلى دعم أكبر ليؤدي رسالته، وتوعية المجتمع بأهمية هذه الأبحاث التي تبحث عن مكامن الخطأ والخطر على أمن واستقرار المجتمع، لكي تتم معالجتها قبل فوات الأوان. لأن ثقافة الصمت التي يواجه بها بعض الباحثين، هي المصدر الرئيسي لنمو المشكلات الثقافية والاجتماعية، حتى تصل إلى مرحلة اللاعودة.