من الضروري فهم المسؤولية القانونية للشركة في مجال الحماية والسلامة، وخاصةً في ظل وجود مؤشرات أو قرائن تم تداولها مؤخراً في الصحف المحلية تدل على وجود إشكاليات في تطبيق معايير السلامة
بعد حادثة انفجار ناقلة الغاز في مدينة الرياض، يكاد الجميع يتفق على وجود إشكالية تتعلق بتطبيق معايير السلامة بالنسبة لمثل هذه الناقلات. والغامض في هذه القضية هو عدم وضوح المسؤولية القانونية للحادث، فقد صرّحت شركة الغاز والتصنيع على موقعها في شبكة الإنترنت بالقول بأن الشركة: تلتزم بالمواصفات السعودية للشاحنات وحمولتها ولوائح وزارة النقل ومتطلبات التشغيل اللازمة طبقا لنوعية الشحنات، كما تطبق أعلى المواصفات المطلوبة لهذه الناقلات وتحت إشراف وتدقيق من الهيئة العليا للأمن الصناعي والدفاع المدني واشتراطات شركة أرامكو السعودية والتي تدقق في شهادات الشاحنة ومستويات الأمان فيها بما في ذلك الإطارات والتجهيزات الكهربائية.
ويفهم من نص التصريح السابق للشركة بأنها تخلي مسؤوليتها عن الحادث تماماً، وترمي بها على جهات أخرى، ربما يكون السائق نفسه، أو إدارة المرور ووزارة النقل! أو ربما يفهم من هذا التصريح أن انفجار الناقلة كان مجرّد حادث عرضي ونتيجةً لاختلاط الغاز مع الهواء (وهذا طبيعي!) انفجرت سحابة الغاز ونتج عنها خسائر في الأرواح والممتلكات.
أنا هنا لا أستبق نتائج تحقيقات اللجان التي شكلتها الدولة بهذا الخصوص، ولا أشكك في مصداقية تصريحات الشركة بالرغم من عدم وجود جهة مستقلة تؤكد هذا الكلام أو تنفيه، فمثل هذه التصريحات ينقصها الاستقلالية والحيادية، فمن الطبيعي في مثل هذه الحالات أن تدفع الشركة عن نفسها الاتهامات وأن تقلل من مسؤوليتها وتعظمها على الآخرين، ولكن من الضروري جداً أن نفهم المسؤولية القانونية للشركة في مجال الحماية والسلامة، وخاصةً في ظل وجود مؤشرات أو قرائن تم تداولها مؤخراً في أخبار الصحف المحلية تدل على وجود إشكاليات في تطبيق معايير السلامة، منها أن الشركة ليس لديها معلومات عن سائق الناقلة، وإنما تم توفيره من متعهد آخر، بسبب ضغط موسم الحج في الأيام الماضية. كما تفيد أخبار الصحف بأن الشركة تجاهلت مؤشرات إنذار تحذّر من وقوع الحادثة قبل يوم الخميس، كما قال سائق الناقلة بأن مكابح الشاحنة لم تعمل فلم يستطع السيطرة عليها، هذا بالإضافة إلى تدخل نزاهة وظهور شكوك حول اتفاقية نقل الغاز مع المتعهد.
المؤشرات السابقة لا تمثل أدلة إثبات ضد الشركة، ولكنها تعتبر قرائن يمكن الاستناد إليها عند إجراءات التحقيق والبحث عن الأدلة، وعليه فإن منطلق معرفة وفهم المسؤولية القانونية للشركة هو معايير السلامة لنقل الغاز، والسؤال الرئيسي هو: هل لدى الشركة معايير للسلامة تطبقها على أرض الواقع وبكفاءة وفاعلية؟
وتطبيق المعايير يبدأ من تبنيها من قبل الشركة أولاً، ومدى كفايتها ثانياً، وأخيراً مدى تطبيقها والإشراف عليها وتدريب القوى العاملة على التعامل معها، مع ضرورة وجود إدارة للمخاطر في الشركة. وبعد التأكد من هذا كله ننظر إلى حادثة ناقلة الغاز كحالة خاصة ونتتبع الإجراءات والخطوات من بدايتها وحتى نهايتها، مع الأخذ في الاعتبار كيفية الرقابة والإشراف على متعهد النقل الذي تم الاتفاق معه.
فعلى سبيل المثال تنص تعليمات السلامة والحماية بشأن نقل المواد الكيميائية الخطرة والصادرة عن الدفاع المدني في البند رقم (4) على أنه: يجرى الكشف والفحص الفني للناقلة قبل كل رحلة للتأكد من سلامة كافة تجهيزاتها (الدوائر الكهربائية، سلامة الهيكل، الكفرات الخاصة بالناقلة، مكابح الناقلة...إلخ)، كما تضمنت التعليمات في البنود (7،6،5) أنه يجب تدوين جميع الفحوصات التي أجريت للناقلة على سند خاص يوضح جميع الإجراءات التي أجريت على الناقلة، كما يجب أن تتم هذه الإجراءات من قبل جهة فنية متخصصة ومعتمدة، ولا يتم نقل أي مادة خطرة ما لم تستوف الناقلة جميع الفحوصات المشار إليها في البند رقم (4).
ومن التعليمات السابقة نستطيع تحديد المسؤولية عن حادثة الناقلة بشكل جزئي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن شركة الغاز تبقى مسؤولة عن هذه التعليمات حتى وإن أسندت عملية النقل إلى شركة أو مؤسسة أخرى، وذلك من خلال المتابعة والإشراف عليها، فهناك إجراءات وتعليمات تتعلق بتقييم الشركة وكذلك التأكد من قدرتها على تنفيذ بنود العقد والتي يجب أن تتضمن تعليمات الحماية والسلامة.
ومما سبق، تم استعراض وبشكل مختصر المسؤوليات القانونية لشركة الغاز عند وقوع الحوادث، وفي النهاية فإن الحكم في مثل هذه المواضيع هو القضاء، فهو الذي يحدد المسؤولية ويحدد التعويضات والعقوبات في حال ثبوت التقصير أو الإهمال في اتباع معايير وتعليمات الحماية والسلامة في التعامل مع المواد الخطرة.
وأذكر في هذا الصدد حكم المحكمة العامة في جدة، والذي قضى بإلزام شركة الغاز بدفع دية قتل الخطأ لثلاثة متوفين من أسرة واحدة، وذلك بسبب انفجار أسطوانة غاز كانت قديمة، وبالتالي تحملت الشركة كامل المسؤولية جرّاء هذا الحادث، علماً بأن هناك حوادث متكررة لأسطوانات الغاز التي تنتجها الشركة في كافة مناطق المملكة. والغريب في الأمر أن معظم الناس تشاهد في محلات بيع الغاز أسطوانات متصدعة ومع ذلك تباع في وضح النهار للناس، ناهيك عن قيام العاملين في هذه المحلات بدحرجتها وصدمها بالرافعات. وبما أن الشركة لها دور في الترخيص لهذه المحال بجانب البلديات والدفاع المدني، وهذا الترخيص يقتضي الرقابة عليها، فإن للشركة مسؤولية مباشرة بخصوص سلامة الأسطوانات، فهل تحاسب الشركة على هذه المسؤولية؟
نترك الإجابة على السؤال السابق للقضاء، ويجب ألا ننسى مسألة الحق العام والحق الخاص، فالغاز المسال يعتبر من المواد الخطرة التي تؤثر على السلامة العامة، والتعامل مع هذه المواد يحتاج إلى وجود إجراءات صارمة بدءا من تعبئتها وتخزينها ونقلها وحتى وصولها إلى المستهلك النهائي، وعلى الجهات المختصة عدم التساهل في عملية الإشراف والمتابعة وتطبيق العقوبات.