د. عيسى حسن الأنصاري
مدير جامعة طيبة

حملت الأنباء يوم السبت 26 رجب 1433هـ، خبراً أصاب الجميع بحالة من الحزن العميق، والشعور بالرحيل المفاجئ لفارس طالما واجه بعزيمة الأبطال، كل ما يهدد أمن الوطن والمواطنين، ذلك هو صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله.
إن الشعور بالخسارة الفادحة لرحيل فقيدنا الغالي، قد عمّ، ليس المجتمع السعودي فحسب، ولكن كل مواطني الأمتين العربية والإسلامية، فما كان يقوم به رحمه الله من أعمال وما يبذله من جهود لم تكن موجهة فقط للمجتمع السعودي، ولكن للإنسانية بشكل عام.
وتدل مسيرة سموه رحمه الله على ذلك التنوع في المهام التي تولاها والأعمال التي دعمها وأشرف على تنفيذها، حيث لامست كل المجالات ذات الصلة بالخدمات الرئيسية التي يحتاجها الإنسان أينما كان.
لقد عرف سمو الأمير نايف رحمه الله بأنه رجل الأمن والأمان الأول وفارسه، ولقد كان لحنكته وجهوده في مواجهة خطط الإرهابيين وإفشالها وقيادة الحملات الأمنية الناجحة الدور الأساسي في القضاء على الإرهاب بعد أن شكل خطراً صار يهدد المواطنين في كل مكان.
وأصبح بذلك شخصية عالمية قيادية مؤثرة في مكافحة الإرهاب بمختلف أنواعه، حيث أسس بذلك نهجاً ومدرسة يحتذي بها العديد من دول العالم في وضع السياسات والخطط الأمنية الرامية إلى مواجهة الإرهاب والقضاء عليه.
ولقد اهتم سموه برعاية أسر وأبناء شهداء الواجب، الذين بذلوا أرواحهم دفاعاً عن الوطن وحماية للمواطنين، ولم يقتصر اهتمامه ومواقفه الإنسانية على أسر شهداء الواجب، بل امتد ليشمل أسر الفئة الضالة الذين اعتبرهم سموه رحمه الله، ضحايا لا ذنب لهم فيما اقترفه الإرهابيون من جرائم.
وما كان سموه رحمه الله، يتوقف عند الجوانب العملية للقضاء على الأرهاب، بل يحرص أيضاً على تناول الجوانب الفكرية في مواجهة الفكر الضال وكشفه وإحباط دوره في التأثير على الشباب وحمايتهم من الانحراف الفكري واستغلالهم في تنفيذ مخططات الإرهابيين.
وإذا كان الإرهاب يشكل خطراً على أمن المجتمع، فكذلك المخدرات ومروجوها يعتبرون خطراً داهماً على المجتمع ينبغي محاربته، وهو الأمر الذي أولاه سموه رحمه الله الكثير من الاهتمام، مع اهتمامه بتوعية الشباب ضد هذه الآفة الخطيرة، حتى لا ينزلقوا في إدمانها.
ولم يقتصر اهتمام سموه الكريم على المجال الأمني فقط، بل امتد ليشمل العمل الإنساني بشكل عام. فلقد عرف سموه رحمه الله بدعمه للحملات الإغاثية والإنسانية والعمل الخيري المقدم للشعوب في مختلف دول العالم.
وعرف عن سموه رحمه الله بذل الجهد لتوفير الخدمات المساندة لزوار بيت الله الحرام، الذين يفدون إلى المملكة من كل فج عميق وبأعداد هائلة حتى يكملوا مناسك الحج ويعودوا إلى ديارهم سالمين. وكذلك اهتمام سموه الكريم رحمه الله بخدمة السنة النبوية ودعم البحوث الإسلامية عبر جائزة سموه العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة.
ولم تقتصر جهود سموه رحمه الله على الجوانب الأمنية فقط، بل امتدت لتشمل كافة العناصر المؤثرة في أمن المجتمع ومنها قضية التوظيف، والقضاء على البطالة وتوطين الوظائف، فكان بحق رجل السعودة الأول والمحرك الرئيسي وراء نجاح خطط توظيف الشباب السعودي، حتى إنه أطلق جائزة سموه للسعودة لتحفيز القطاع الخاص على الاهتمام بتوظيف الشباب.
وهناك جانب هام من جوانب اهتمامات سموه المتعددة ألا وهو الاعتناء بمؤسسات التعليم وتقديم الدعم الذي يمكنها من تحقيق رسالتها. وفي هذا السياق لعله من المناسب أن أذكر بكل الشكر والعرفان الدعم الذي قدمه سموه رحمه الله لجامعة الأمير محمد بن فهد. فلقد كان متابعاً لمسيرتها منذ إنشائها وقدم لها الدعم الذي سيمكنها من إنجاز الكثير من برامجها، وبخاصة تلك المتعلقة بإعداد الشباب لقيادة المستقبل، فقد قدم سموه رحمه الله الدعم لإنشاء كرسي سموه لتنمية الشباب بالجامعة الذي يهدف إلى دعم البحوث والدراسات ذات العلاقة بقضايا ومشاكل الشباب من أجل تقديم حلول عملية وإبداعية للتغلب على هذه المشاكل، وكذلك تنفيذ برامج وأنشطة تساهم في تنمية الشباب.
إن دعم سموه رحمه لله لإنشاء هذا الكرسي بالجامعة يدل دلالة واضحة على اهتمامه بشريحة الشباب التي تمثل دعامة المستقبل، ويدل كذلك على نظرته الثاقبة واستشرافه للمستقبل ونهجه العلمي في التخطيط له وإعداد العدة لمواجهة متطلباته.
رحم الله الأمير نايف وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.