الانفجار رسالة إلى كل العابثين الذين يريدونها في البلد عوجاً، فعاقبة الانفلات الأمني خطيرة، والأيدي المتربصة مجهزة أدواتها ووسائلها لمثل ذلك اليوم حتى تنكأ في البلد واستقراره وأمنه

 الانفجار الذي حصل في الرياض الأسبوع الفائت يعد حدثا نوعيا، بالنسبة لما خلفه من ضحايا في الأنفس والمصابين ولطبيعة الحادث ومسبباته أو وقته أو حجم الدمار الذي أحدثه في المنطقة ومساحة التأثير الذي وصل إليه الانفجار.
جاء خبر الانفجار وأنا أقلب في صفحات موقع التواصل الاجتماعي تويتر، بدأ المغردون يرصدون حادث الانفجار خطوة بخطوة، من حين سماع صوت الانفجار وبداية التكهنات حوله، إلى أن بدأت مئات الصور تنهال عبر هذا الموقع العجيب ترسم أدق التفاصيل لما يجري، سابقة بذلك كل الوسائل التقليدية التي دائماً ما تأتي متأخرة عن الحدث، فأصبح كل مغرد في تويتر هو مراسل صحفي، يرصد ويحلل ويصور ويرسل.
الحدث هو في نفسه رسالة إلى كل من يتساهل في قضية الأمن وضرورته للحياة، لقد أسفت وأنا أشاهد مقطع بعض اللصوص وهم ينهبون بعض المحال التي تضررت من الانفجار، وفي الوقت الذي آسى لوجود هذه النوعيات من البشر التي تستغل مثل هذا المصاب الخطير والجثث المتفحمة حولها وتسعى في الأرض نهباً وسلباً، إلا أنني أدرك قيمة الأمن وخطورة انفلاته الذي يسبب مثل هذه الحوادث، فإن كان هذا الأمر قد حصل في حالة حدث عارض، فكيف الأمر لو حصلت أحداث كبيرة، أي درجة من الانفلات يمكن أن نصل إليها؟
إنني في تلك الحال أتذكر منة الله على عباده من حول الحرم إذ قال لهم: (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وهذا بلا شك رسالة إلى كل العابثين الذين يريدونها في البلد عوجاً، فعاقبة الانفلات الأمني خطيرة، والأيدي المتربصة مجهزة أدواتها ووسائلها لمثل ذلك اليوم حتى تنكأ في البلد واستقراره وأمنه.
وفي الحدث تظهر الحاجة إلى تطوير وسائلنا في الدفاع المدني والاحتياطات اللازمة، إن التأخر عن حماية كل المواقع المتضررة خطأ ظاهر، والتأخر في تطويق المنطقة لمنع الفضوليين الذين يضايقون رجال الدفاع والأمن في أداء مهمتهم بسلاسة وراحة خطأ ظاهر، وخاصة أن الإعلام في هذا الزمن سهل قضية المقارنة بين أداء كل القطاعات مع غيرها في العالم، فللتو أفاق الناس من هول الإعصار ساندي وكيف تم التعامل معه من قبل الحكومة الأميركية، ودور الإعلام وخطط الإنقاذ في تقليل آثار ذلك الإعلام المدمر، ويتطلعون إلى برامج مثل تلك التي شاهدوها عند أي حدث يصيب البلد، ولا شك أن هذا بحاجة إلى برامج محكمة، ودورات مكثفة، وحرفية في نقل التقنية الحديثة فيما يتعلق بمفاهيم الأمن والسلامة ومواجهة الكوارث الطبيعية والبشرية.
تعودنا أن كثيراً من قضايانا لا يبدأ حولها الحديث وتسليط الضوء إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس، ومن ذلك ما يتعلق بسيارات نقل المواد الخطرة وخاصة الغاز، ورأينا بأم أعيينا حجم الدمار الذي تسببت فيه، وكأنه عمل حربي أو قنبلة من عدو، فما نحن فاعلون تجاه ألا يتكرر مثل هذا الحدث، فتجول هذه السيارات التي تحمل على ظهرها الموت القاتل يجعلها هدفاً لكل من يريد في البلد الشر والضرر، فماذا سنصنع في تأهيل السائقين لهذه العربات، وهل توجد خطة لحمايتها ووضع الاحتياطات اللازمة لها؟ هل يمكن أن تصاحب كل ناقلة من هذه الناقلات إذا دخلت في وسط البلد دورية تضمن لها السلامة في سيرها حتى تصل إلى هدفها؟ لنا فقط أن نتصور ماذا لو كان هذا الحادث في وقت الذورة على طريق خريص؟ أو وقت خروج الناس من دواماتها، أو أن الكوبري كان ممتلئا بالمارة، أو كان هذا الحادث لحظة خروج الشباب من مباراة في استاد الملك فهد كيف سيكون الوضع وكيف سيكون حجم الكارثة؟
إن الناظر إلى تلك الجثث المحترقة، والضحايا المفقودين، وحجم الدمار والخراب يستشعر مباشرة ما يجري لإخواننا في بلاد الشام من مشكلات كبيرة، فإن كان الهلع قد أصاب الناس من انفجار ناقلة غاز فما حال إخواننا وبراميل الموت تلقى على رؤوسهم في الصباح والمساء؟ كيف هو حال الأطفال الذين ينامون على صوت المدافع والطائرات وصوت القنابل؟ ما حال النساء والعجائز والمرضى؟ لقد حكى لي أخ سوري قدم من ريف دير الزور يتحدث عن حالة الهلع والخوف التي أصابته وأنه يفزع لما رجع من صوت الطائرات المدنية، فقلت له: إن كان هذا حالك وأنت الرجل الرشيد فكيف هو حال الضعفاء الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا، هنا أدركت قيمة ونعمة الأمن، سائلا المولى أن ينجيهم وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.