رسمي مبارك العنزي

قبل أكثر من خمس سنوات وفي أثناء زيارة الملك حفظه الله لمنطقة الحدود الشمالية كنت حاضرا في داخل الصالة التي كانت تعرض فيها المشاريع الحكومية المزمع تنفيذها ليطلع عليها الملك كان المكان مزدحما بالأمراء وكبار المسؤولين والوزراء، الجميع يتنقل ويسير خلف الملك من عرض لآخر والكاميرات والفلاشات تلاحق الحدث، لفتني ذلك الرجل الذي لم يكن مأخوذا بالمشهد ومتأخرا عن الجمع يمشي بخطى واثقة ويتأمل ما حوله بعيون فاحصة تعلو وجهه ابتسامة خفيفة تزيل الرهبة من كل من يتردد في مصافحته والسلام عليه مع وقار وهيبة ولدا معه متأصلان في ذاته هذا ما تستشعره وأنت تراه، لا أعرف لماذا توقفت أنا عن ملاحقة الجمع وأخذت أتأمله عن قرب وعلى بعد أمتار معدودة، وكأنني أبحث في وجه نايف بن عبدالعزيز عن أسئلة أو استنطق أجوبة حتى ذهلت عن السلام عليه، والذي كنت مقررا أن يكون هذا السلام بعد أن أملأ عيني منه، وانتهي من متابعته التي أرصدها، ضج عقلي بالأسئلة من أين يستمد هذا الرجل طاقته التي تجعله يمسك بملفات وطنية حساسة أمنية وسياسية واجتماعية ودينية، قضايا مثل الإرهاب والحدود والحج والإعلام والفكر عدا القبائل وشؤونها والمناطق ومتابعة تفاصيل ما يحدث فيها، مسائل مثل هذه تحتاج لسرايا من الرجال، وقد اختصرها لنا الفقيد الرمز على حساب وقته وماله وصحة جسده التي أخذت تتراجع غير آبه، بفعل الضغط وحجم المسؤوليات المناطة به، هل كانت تلك اللوعة الاجتماعية الجماعية التي رأيناها ترتسم على وجوه الجميع لفقده هي نتاج خوف من المجهول في لحظة نحن فيها بأشد الحاجة لجميع ضماناتنا الوطنية، وآبائنا المؤسسين الذين يمثلون أركان الحكم السعودي وكان الفقيد أحد أبرز الوجوه فيهم في ظل مشهد دولي وإقليمي مضطرب وغير مستقر وفي ظل استهداف لوطننا من جهات شتى أم أن تلك اللوعة كان سببها أن الفقيد الرمز ترسخت صورته باللاوعي الشعبي الجمعي لدينا، إنه رجل الأمن والأمان الذي يطمئننا وجوده في أحلك الظروف وأشد الأزمات، ورجل الحسم الذي لا يلين إذا استشعر خطرا يهدد الوطن.
ولا نقول إلا إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإننا على فراقك يا نايف لمحزونون.