عندما انصهرت زيغريد هونكه المستشرقة الألمانية المعاصرة بجوهر الإسلام الحقيقي، وتلفعت بهالته الروحية ووجوده وموجوداته، ومستويات قيمه الأخلاقية العليا وملكاته العقلية والمعرفية والجمالية، والذي أتاح للبشرية أن تمتح من فيض ذلك الوعي الأزلي والمكون الفكري والإنساني، والتكامل الروحي والذهني، فقد استنفرها ذلك الحضور المتعاظم واللا متناهي للإسلام فأطلقت مقولتها المدوية وبحثها التاريخي عن الحضارة الإسلامية بعنوان شمس الله تسطع على الغرب ثم ترجم الكتاب بعنوان آخر وهو شمس العرب تسطع على الغرب رغم أن العنوان الأول في تأويله وإبانته وكنايته واستعارته كان يعني الإسلام كرسالة تستبطن في خباياها الضوء المشع ببواعثه القيمية وكينونته المطلقة، التي أطلت على أوروبا وهي غارقة في إهابها المظلم وجنوحها الحضاري واصطراعها غير المتعقل تحت سلطان الكنيسة والكهنوت، مما دفع هونكه أن تقول بكل تجرد وعلمية مقولتها الفذة عن العرب والمسلمين: يخيّل لي أن الوقت قد حان للتحدث عن شعب أثر بقوة على مجرى الأحداث العالمية، ويدين له الغرب كما تدين له الإنسانية كافة بالشيء الكثير، إن في لغتنا كلمات عربية عديدة وإننا لندين ـ والتاريخ شاهد على ذلك ـ في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب، لقد ألقى المسلمون أضواءً باهرة على عالمنا الرتيب الذي كان يوماً من الأيام قاتماً كالحاً باهتاً، إن أرقام العرب وآلاتهم التي بلغوا بها حداً قريباً من الكمال وحسابهم وجبرهم وعلمهم في المثلثات الدائرية وبصرياتهم الدقيقة، كل ذلك أفضال عربية إسلامية على الغرب، إن التأثير العربي في أوروبا ظل حتى القرن التاسع عشر، وإن اختفى شكلاً فقد تغلغل في أعماق الحياة الأوروبية ورآه من يرغب في رؤيته وأغفله من حجب بصره كره أرعن أو تعصب أعمى وتقول هونكه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أوصى محمد كل مؤمن رجل كان أو امرأة بطلب العلم، وجعل ذلك واجباً دينياً وكان يرى في تعمق أتباعه في العلم وسيلة للتعرف على قدرة الخالق، وكان يرى أن المعرفة تنير طريق الإيمان لقد رحلت زغريد هونكه دون أن تجد التقدير الذي تستحقه من العرب والمسلمين، فالعقل الغربي يقف إزاء الإسلام كما يقول الدكتور عماد الدين الخليل في نقطة التوازن بين الشد والجذب باتجاهين متناقضين : النزعة العلمية الموضوعية والنزعة التحزبية وكل مايرتبط بها أو يوازيها من إحساس استعلائي تجاه كل ماهو شرقي، فمنهم من يميل إلى معالجة ما يتعلق بالإسلام معالجة موضوعية ويقترب من الحقيقة، بينما يندفع الآخر باتجاه القطب المعاكس والتأرجح المنحاز وقد كانت هونكه الأكثر نقاءً وموضوعية ومنهجية بين هؤلاء.