أفهم كما تفهمون الدور الذي تضطلع به دور التعليم العالي أو الجامعات إن شئنا أن نكون أكثر دقة وأكاديمية ذلكم الدور المحبرة به لوائحها وأنظمتها بدءا من نشر التعليم والترقي في العلوم، ومرورا بالبحث العلمي وما أدراك ما البحث العلمي وليس انتهاء بما يمليه عليها ضميرها المجتمعي تجاه من وما يحيط بها في المناطق المتنوعة في بلدنا الحبيب.
إن وجود جامعة أو أكثر في منطقة ما، يعني بالضرورة نماء فكريا وثقافيا ومجتمعيا ولن أذهب بعيدا لأقول إبداعيا أو ابتكاريا فلا يزال البون شاسعا وممتدا بين ما تقوم به بعض جامعاتنا من حراك نمطي داخل النسق المعروف منذ عقود وبين ما يستجد الآن ويطرح بإلحاح، بل إن بعض الجامعات على جلالة قدرها لم تتعد ما تنفذه ثانوية كبيرة من أنشطة وفاعليات، دع عنك كل ذلك فجامعات ناشئة حاضرة على أرض الواقع لم تخطر حتى اللحظة على بال كثير من القادمين من فصول التعليم العام ليس لشيء ولكنها لم تتعرف بعد على حقيقة وجودها ولهذا لم تدعم هذا الوجود بما يضيء منارتها فيهتدي إليها طلاب العلم وشداة المعرفة.
ولعل أقرب مثل على تلك الهوة بين النشاط الجامعي وحاجة الناس هي بعض كراسي البحث العلمي المدعومة بملايين الريالات والمتنوعة المقاصد والاهتمامات ماذا قدمت لمجتمعها؟، إن كانت تاريخية فأين –بربكم- أثر أبحاثها واشتغالاتها العلمية والتطبيقية على الناس من حولها تاريخهم وآثارهم وإرثهم الإنساني؟، وإن كانت طبية فمن سمع بأن كرسيا للبحث العلمي تبنى حالة طبية بالدراسة والبحث والعلاج أو أنشأ مركزا صحيا واحدا يتبع للجامعة فليرمني بحجر، وإن كانت صفته وبنيته مجتمعية خالصة فمن يدلني على أسرة مكلومة كان للكرسي البحثي المجتمعي دور في انتشالها أو الأخذ بها إلى السطح، أعلم أن معترضا سيشير إلى أن اهتمام الكراسي البحثية أكاديمي بحت وأنها لا تعنى بالشؤون الخاصة وعلاجها، ومع موافقتي على هذا الاعتراض إلا أن الملاحظ ليدهش مما يراه من بعد هذه الكراسي عن الشأنين العام والخاص على السواء وبقائها في حالة ركود حذر لا هي بالتي أقدمت فتشكر، ولا أحجمت فتنكر، ثم بقيت في منطقة البين بين اجتماعات دورية وينفض السامر لا من درى ولا من شاف ومن هنا فإن على الجامعات – وهذا رأي مجرد- أن تعيد النظر في سيرورة عمل الكراسي البحثية بما يعود عليها أولا ثم على مجتمعها المحيط بها بالنفع والخير لأنها مظنة ذلك فالمعوّل عليها لهذا الوطن بعد الله.