التطوير الذي تشهده المشاعر يسير بانتظام شهد له من زار المشاعر ومشى في ربوعها فالدولة بقطاعاتها كافة تستنفر في هذا الموسم العظيم لخدمة القادمين

في الحج تتجلى عظمة الإسلام، وفي شعائره تنتظم كل قواعد العقيدة ومقاصد التشريع وروح الرسالة بكل جوانبها الاعتقادية والأخلاقية والعملية.
إنه دعوة إبراهيم واستجابة أمة الإسلام إلى يوم القيامة، إنه التكرار الدائم للصدق والإخلاص والتجرد، والوحدة والتساوي أمام الخالق سبحانه وتعالى.
لقد كان من فضل الله على بلدنا أن كان حاضناً لهذه الشعيرة ومديراً لشؤونها، وأي شرف وفخر أعظم من خدمة ضيوف الرحمن الذين يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات، فالتبعة عظيمة والمسؤولية جسيمة وفق الله القائمين عليها لخير العمل والسداد والصواب.
ولا شك أن الخدمات التي تقدمها الدولة للحجاج كبيرة، والتطوير الذي تشهده المشاعر يسير بانتظام شهد له من زار المشاعر ومشى في ربوعها فالدولة بكافة قطاعاتها تستنفر في هذا الموسم العظيم لخدمة القادمين، مع ضرورة إدراك أن اجتماع ما يربو على ثلاثة ملايين من حجاج الداخل والخارج مع محدودية المكان يشكل عبئاً كبيراً، ذلك أن الحج ليس لطبقة متساوية من الناس، بل يجتمع فيه الكبير والصغير والذكر والأنثى والعربي والعجمي والصحيح سليم الجسم والمعاق أو الضيف مما يجعل التحكم بحركة الجموع ليست بالأمر الهين، ولكن عناية الله وتوفيقه والعمل بقدر الجهد والطاقة على أن يتم التحرك في المشاعر وإلى البيت العتيق بسهولة ويسر بقدر المستطاع، وهذا ما تم ولله الحمد والمنة.
إن الحج من الأمور المركزية في اهتمامات الحكومة، وهذا يتطلب جهوداً حثيثة في التطوير والمتابعة، مع تثمين جهود قطاعات رسمية عاملة في دراسة مجالات الحج وأبحاثه من وزارات ومراكز ومعاهد وغيرها، وخاصة في ظل الأوضاع السياسية القائمة والتي ترصد الأخطاء وتضخمها، وتزايد فيها، وتبالغ في توصيفها حتى تهدر كل الجهود المبذولة في سبب خطأ لم يدركوا سببه ولم يقدروه قدره، وخاصة من أولئك الذين يتمنون فشل الحج وتفويج الحجاج والقصور في الخدمات حتى يجعلوها فرصة لتوظيف هذا في حراكهم السياسي الضاغط الذي يظهر القبيح ويستر الجميل ويصور للناس الصورة القاتمة، وتقليل كل جهد مهما علا شأنه.
إن النقد حق مكفول للجميع، وطرح الاقتراحات مشاركة فاعلة تدل على هم نبيل لفريضة عظيمة، فإن (ذمة المسلمين واحدة يقوم بها أدناهم..)، والنصيحة مقبولة في كل أمر، والاعتراف بالأخطاء أمر من الجميع، ولكن صاحب الموقف المبدئي الرافض لكل جهد حكومي لا يمكن أن ينصف في توصيفه للواقع، بل هو يترقب كل خطأ حتى يضخمه ويزبد ويرعد فيه، ويجيره لرؤية سياسية معينة، فيزول في ذلك مقياس العدل والقسط في الأحكام، ومثل هذه النفسية هي نفسية ناقمة لا تنظر إلا بعين واحدة، ولا ترى إلا العوج والقصور، والله تعالى يقول في أمثال هؤلاء: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).