الإيرانيون يعيشون حالة تشبه الحرب الخفية. لا أحد يعرف ماذا سيحدث في المستقبل، والناس يفكرون فقط كيف يستطيعون أن يستمروا في ظل هذه العقوبات وهم لم يعودوا مهتمين بمعرفة ما يحدث في سورية أو لبنان

لو أن السياسيين في إيران أخذوا الأمور ببساطة قليلا فإن الشعب الإيراني والعالم سيتنفسون بسهولة أكثر وسيتحقق ما هو أفضل بالتأكيد. هذا القليل يذكرني دائما بوالدتي عندما نكون في الطائرة وتسألها المضيفة إذا كانت تريد إضافة الحليب إلى قهوتها فتجيب دائما قليلا فقط! القليل من الكريم مع القهوة يمكن أن يكسر مرارتها وفي نفس الوقت لا يغير طعمها أو رائحتها.
القليل من الليونة والتعاطف والتفهم يمكن أن تحقق الشيء الكثير. عندما يقرر القادة الإيرانيون أن يبقوا بهذه المرارة فلا أحد يستطيع أن يتعامل معهم سوى مجموعة صغيرة من الناس حولهم.
عندما تشاهد قنوات التلفزيون الرسمي الإيراني فإن المحيطين بالمرشد الأعلى كلهم يبدون متشابهين: جباههم مقطبة ولا يبتسمون. أما الإيرانيون العاديون فإنهم يرتدون ملابس ملونة ويبتسمون ولا يترددون في التعبير عن آرائهم.
هذه المرارة والمباحثات النووية المتعثرة مع دول مجموعة 5+1 تجعل الحياة أكثر صعوبة للشعب الإيراني. العقوبات الاقتصادية المتصاعدة منذ 4 سنوات شلت الاقتصاد والصناعات الإيرانية كلها تقريبا. الناس يكافحون للحصول على حاجاتهم اليومية. تكاليف الحياة اليومية أصبحت مرتفعة لدرجة يصعب معها على العائلات الإيرانية أن توفر احتياجاتها. الإيرانيون يسألون أنفسهم إذا كانوا بالفعل يحتاجون هذه التكنولوجيا النووية بهذه التكلفة الباهظة التي أثرت على مستقبل أبنائهم وقد تؤدي الآن إلى مواجهة عسكرية!
حالما عاد الرئيس أحمدي نجاد من رحلته إلى نيويورك، هبط سعر العملة الوطنية 40% مقابل الدولار الأميركي. وكانت ردة فعل السوق ارتفاع أسعار المواد الرئيسية بمعدل 50% تقريبا مقارنة مع ما كانت عليه منذ عام واحد فيما لم يتغير دخل الشعب. الإيرانيون يعيشون حالة تشبه الحرب الخفية. لا أحد يعرف ماذا سيحدث في المستقبل والناس يفكرون فقط كيف يستطيعون أن يستمروا في ظل هذه العقوبات وهم لم يعودوا مهتمين بمعرفة ما يحدث في سورية أو لبنان.
حتى عندما يكون مسؤول في النظام مستعدا لعمل شيء لتحسين الأوضاع، فإن المرشد الأعلى آية الله خامنئي يعترض على أي تغييرات أو مفاوضات حول برنامج إيران النووي.
الرئيس أحمدي نجاد، الذي كان يعمل على محور المباحثات المباشرة مع الولايات المتحدة عندما كان في نيويورك في سبتمبر الماضي لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، شعر بإحراج كبير عندما عاد إلى طهران. البرلمان اتهمه بالتدخل في شأن لا يسمح إلا لخامنئي اتخاذ قرار فيه، وهو المفاوضات مع الولايات المتحدة. في هذا النظام الدولي الفوضوي، يجب أن لا نفاجأ إذا لم يستطع النظام السيطرة على الأمور الداخلية.
صحيفة نيويورك تايمز رفعت آمال الإيرانيين عندما نشرت مؤخرا تقريرا عن محادثات سرية بين إيران والولايات المتحدة والاتفاق على إجراء مفاوضات نووية مباشرة. التقرير جاء فيه نقلا عن مسؤول أميركي بارز أن إيران وافقت على إجراء مباحثات نووية مباشرة مع الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية لمعرفة من سيكون الرئيس القادم في البيت الأبيض.
المسؤولون الإيرانيون والأميركيون نفوا التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. الرئيس أحمدي نجاد كان قد عبر عن استعداد حكومته للتفاوض مع الولايات المتحدة بشكل مباشر. كان برفقة الرئيس الإيراني في نيويورك أكبر وفد على الإطلاق، حيث كان الوفد يضم أكثر من 100 شخص، وكان من بينهم طبعا أعضاء في البرلمان والقضاء وعدد من الوزراء والمستشارين وحتى بعض أعضاء الدائرة الداخلية لخامنئي. كان كل من هؤلاء لديه مهمة ما، وبعضهم قام بتسريب معلومات لبعض الضيوف الهامين.
حيث إنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية فإن إجراء مباحثات رسمية كان يتطلب وجود مسؤولين رسميين على مستوى عال في الولايات المتحدة، وهذا الوجود تحقق خلال جلسات الجمعية العامة. حتى لو أنكرت كل من الولايات المتحدة وإيران التوصل إلى اتفاق بين البلدين، فإن من الواضح أن إيران تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لتتبع سياسة مختلفة في حال حدوث تغيير في الموقف الأميركي. يبدو أن من الواضح الآن للجميع أنه إذا فاز الرئيس ميت رومني في الانتخابات فإنه سيتبنى سياسة أكثر صرامة نحو إيران، وفي حال إعادة انتخاب أوباما فإنه قد يستمر في اتباع سياسة العقوبات.
من المثير للاهتمام أن النظام في إيران لم يبد منزعجا من أي شيء، سواء كانت تلك العقوبات الاقتصادية أو حتى احتمال توجيه ضربة عسكرية. لكن ما كانوا يخشونه حقيقة هو الشعب الإيراني الذي قد يتضايق في النهاية من النظام بشكل كبير ويتحرك ضده.
في رأيي فإن إعادة انتخاب أوباما لا يعني أن النظام الإيراني يمكن أن يستمر. مع أوباما، يختنق النظام الإيراني ببطء دون الشعور بضغوط كبيرة في نفس الوقت. إذا قال مسؤول إيراني في نيويورك لمسؤول أميركي بشكل غير رسمي إنهم ينتظرون نتائج الانتخابات فإن ذلك ربما يعني أنهم سيوضحون أخيرا نواياهم بخصوص البرنامج النووي! لننتظر أسابيع قليلة أخرى. ما زلت أعتقد أن إضافة بعض الكريم والسكر إلى القهوة السياسية الإيرانية سيجعل مذاقها أفضل. هذا ما تقوله أمي دائما عن قهوتها!