لم يترك روبير صفدي بلدته كفر شيما في جنوبي بيروت إلا نادرا. في هذه البلدة، نشأ كبار الفنانين والموسيقيين اللبنانيين أبرزهم فيلمون وهبي، وعصام رجي، وملحم بركات، وتوفيق بركات، وحليم الرومي. وهو ابن خالة ماجدة الرومي. وفي مكتبته الضخمة في منزله، جمع ملايين الأغنيات والمقابلات التلفزيونية والإذاعية والسهرات الخاصة منذ عام 1900. وبرحيل هذا الموسوعي نهاية الأسبوع المنصرم، يخسر لبنان والعالم العربي واحدا من أبرز الذين عشقوا الموسيقا العربية وأفنوا حياتهم في الحفاظ على تراثها منذ أن بدأ تسجيلها على أشرطة الريل وتلتها الأسطوانات ثم شرائط الكاسيت.
وقد يكون روبير صفدي ممن يمتلك كشخص بمفرده أكبر مكتبة موسيقية عربية تتضمن شرائط وأغاني قديمة جدا ونادرة لرواد الأغنية العربية وعمالقة الفنانين اللبنانيين والعرب. وبالأرقام، استطاع جمع 55 ألف أغنية عربية، منها 849 أغنية لمحمد عبدالوهاب، و304 أغنيات للسيدة أم كلثوم، و500 أغنية لفريد الأطرش، وألف أغنية لفيروز، و190 أغنية لعبدالحليم حافظ، و300 أغنية لصباح.
فضلا عن الأشرطة المسجلة، امتلك معلومات مدونة وأوراقا جمعها على امتداد نصف قرن، وعمل على نشرها في ثلاثة كتب تضمنت ملخصا عن السيرة الذاتية والفنية لهؤلاء العمالقة في الوطن العربي، وهي أعلام الأغنية اللبنانية، وتاريخ الموسيقى العربية، وأسماء خالدة.
لعل نشأته في عائلة تهتم بالفن كانت وراء قراره بدخول هذا المجال. كان والده عازف الكمان والماندولين الفلسطيني يوسف صفدي. وفي هذا المنزل، أتيح له أن يلتقي كبار فناني مصر والوطن العربي، على رأسهم محمد عبدالوهاب الذي يحتفظ بكل أغنياته وسهراته، الشائع منها والنادر. وقد ضمت مكتبته أغنيات قديمة لسلامة حجازي، وسيد درويش، ومحمد القصبجي، وأبو العلا محمد، ومحمد عثمان وغيرهم.
بدأ صفدي بجمع التسجيلات في الخمسينات، ثم سافر إلى الكويت حيث اشترى آلة تسجيل ومجموعة أشرطة كاسيت من أول راتب تقاضاه، وكانت المجموعة الأولى لعبدالوهاب، وأدمن شراء الكاسيتات عام 1965.
رحل روبير صفدي، لكن عشقه للموسيقى العربية الأصيلة سيبقى يرفرف في أنحاء مكتبته التي تحولت متحفا للموسيقا العربية، وحافظة لإرث العمالقة الذي لن يتكرر.