كان خبرا طريفا للغاية، ليس وجود دار للسينما في أبها تسمي نفسها شمع أحمر، لكن الطرافة تكمن في أن صحيفة الجارديان البريطانية العريقة تنفرد بالخبر، بينما لا يكاد يبعد مقر دار السينما إلا بضعة كيلومترات عن منزل أقرب صحفي في المنطقة.
من الواضح أن الخبر في الصحافة البريطانية يستحق أن يكون ضمن عناوين الأخبار الخفيفة، أي التي تهتم بأخبار مثل: زرافة ولدت توأما في كاليفورنيا، أو رجل يأكل الزجاج في الهند، لكن الخبر خرج من الجارديان إلى تلفزيون بي بي سي العالمي وأصبح قصة إخبارية مهمة، لسبب واحد وهو أنه خبر عن السينما وقادم من السعودية.
في الواقع أن الخبر والطريقة التي نقل بها لا تكاد تعكس الواقع، فالشمع الأحمر ليس مجرد جماعة تقيم دارا سرية للسينما، وتجعل منها بديلا عن غياب دور السينما، بل إن هذا النوع من الفنون السينمائية ودور العرض موجود في كثير من بلدان العالم، وهو خاص في الغالب بمن يعملون في إنتاج الأفلام والمهتمين بصناعتها، إنه أشبه بالمنتدى الثقافي الخاص الذي يعقده مجموعة من المهتمين بأمر أو جانب معرفي ما، ويتم فيه تداول تلك القضايا والاهتمامات من عدة أوجه، لكن الذي منح الخبر هذا الحجم من الإثارة أنه حدث في بلد لا يعترف ولا يسمح بالسينما بشكلها التقليدي الموجود في كل بلدان الدنيا، ليصبح من المثير وجود مثل هذه الفعالية، ولتتمثل المفارقة في وجود أمر ممنوع وفي ذات الوقت يحظى بإقبال متزايد حتى لو لم يكن ذلك بالطريقة نفسها التي نشاهدها في كل العالم.
من غير الطبيعي ألا تأخذنا هذه الحادثة إلى فتح ملف السينما والتي تضاف في واقعنا السعودي إلى سلسلة مما يمكن تسميته بالمباح الممنوع، مع ما يلاحظ من أنها كانت قائمة طويلة لكنها أخذت في التقلص، ليس بفعل وجود قرار مؤسساتي سمح بها فحسب، لكن الأهم وجود وعي اجتماعي يتطور وظهور أجيال يتغير خطابها وتتغير رؤيتها من الرفض المطلق إلى القبول العام أو القبول المشروط، لكنه في النهاية تحول وتغير يضع المجتمع في مواجهة ذاته وإعادة تعريف علاقته بالحياة من حوله. وتلك ظاهرة إيجابية ومهمة للغاية.
الآن كل الذين يجادلون دفاعا عن غياب السينما هم في الواقع يتحدثون بكلام عام وغير مباشر باتجاه القضية، تماما كما يحدث مع كثير من القضايا التي تشكل لها خطاب خائف طيلة السنوات الماضية وأصبح يعيش على ترديد تلك المقولات والدفاع عنها. ومع أهمية احترام رأي من لا يرون ذلك إلا أن ما يجب أن يتم البت فيه هو أن القضايا ذات البعد العام والجماهيري لا تخضع لمنطق من يرفض ومن يريد إلا من ناحية استخدامها والإقبال عليها وليس من ناحية الوجود أو عدمه.
المسرح مثلا حظي بمواقف لا تكاد تختلف كثيرا عما حظيت به السينما، لكنه ومع بروزه الآن وبخاصة في احتفالات العيد يشهد إقبالا واسعا ومن مختلف الشرائح ممن يرون فيه ترفيها ضروريا وناجحا، بينما يرى فيه البعض مخالفة فيمتنع عن حضوره، ولكل طرف الحق فيما يريد ويختار.
القضية التي تجب مواجهتها، أن السينما تكاد تكون ضرورة في حياة المدينة، لماذا ؟ لأن الترفيه في الحياة المدنية أمر ضروري وحيوي ومن الأهمية بمكان، بل يكاد لا يختلف عن الحدائق والمتنزهات والمسرحيات والأسواق العامة، وبالتالي وبما أنه بهذه الأهمية فيجب أن يخضع لإدارة الدولة من خلال المؤسسات المعنية كوزارة الثقافة والإعلام مثلا، تماما كما تدار المتنزهات والحدائق من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية، إما إنشاءً أو إشرافا.
إن في منزل كل سعودي شمعا أحمر، أي قطع من السينما، إما عبر القنوات أو عبر أجهزة تشغيل الأفلام، وبأنظمة باتت متطورة ولا تكاد تختلف كثيرا عن السينما الحقيقية.
اسألوا مئات الآلاف من السعوديين الذين يتدفقون هذه الأيام على البلدان المجاورة عن جدولهم اليومي، ستجدون أن أبرز محطاتهم اليومية يقضونها في الشمع الأحمر.