وجود 'مركز ثقافي سعودي يمني' سيؤمن استمرارية الحراك الثقافي وفق رؤية مؤسسية، تتيح طرح ومناقشة الأفكار والمقترحات والمبادرات على ضوء الشراكة والأهداف بشكل أكثر نضجا وفاعلية

الثقافة برسمها وتنوعها تشكل دون شك حجر زاوية العلاقات الإنسانية الأول والأكثر أهمية بين كل العلاقات الأخرى. ولقد أكدت العلاقة الإنسانية في جوهرها الأساس على عقد التحالفات القوية بينها وبين ضمير الثقافة التاريخي الأصيل. لذلك تُعد الثقافة الميزان الحقيقي للمنجز البشري الإنساني، وتُعبر بعمق عن اللحظات المعيشية والتشكيلات الاجتماعية للتجمعات البشرية وإنسانيتها. والتي تشكل في نهايتها مجموع النحت التراكمي له.
كما أن للثقافة أبعادها الاتصالية المعبرة بين مختلف الشعوب والأمم، التي تحتم عليك أن تقدم نفسك أولاً بالشكل اللائق، وهو أهم أشكال الأوجه الاستراتيجية التي تنطلق من خلالها العلاقة مع الآخر. قبل أسبوعين تقريباً وعلى هامش معرض الكتاب الدولي الثامن والعشرين بالعاصمة اليمنية صنعاء، والذي تقيمه الهيئة العامة للكتاب بالجمهورية اليمنية سنوياً، شاركت المملكة العربية السعودية ممثلة في سفارتها وملحقها الثقافي ومجموعة طيبة من المثقفين السعوديين في المناسبة. واختتم المعرض أعماله بندوة حملت عنوان العلاقات السعودية اليمنية، تناولت في مضمونها قراءات لكتاب (التواصل الثقافي بين السعودية واليمن) للباحث والمؤرخ الأديب السعودي حجاب بن يحيى الحازمي، ورواية (ساق الغراب) للقاص والروائي السعودي يحيى سبعي. ونوقش على ضوئهما وعلى خجل محور مهم – هو عنوان الندوة - والذي من المفترض أن تُفرد له مساحات أكبر. لكن أهم ما خرجت به تلك المشاركة السريعة برأيي هو ما طرحه الملحق الثقافي السعودي (الدكتور علي الصميلي) حول فكرة إنشاء (مركز ثقافي سعودي يمني)، يأخذ في حسبانه المساهمة بفعالية في تقديم صورة واضحة عن الثقافة والمجتمع والإنسان السعودي، ودفع عجلة الالتقاء الفكري والثقافي بين البلدين إلى العمق أكثر. فالعلاقة الثقافية السعودية اليمنية في جوهرها، هي امتداد لعمق تاريخ إنسان الجزيرة العربية، وليست كأية علاقة عابرة أو مؤقتة. والعارفين بنكهة هذه العلاقة وجذورها يعون تماماً أصالتها وتأثيرها على البنية والتركيبة الحالية والمستقبلية للمجتمعين كأشقاء يتكئ كل منهما على الآخر. وهي التي تمتد جذورها الاجتماعية التاريخية القديمة لما قبل قيام الدولتين (المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية).
وتؤكد كتب التاريخ على حميمية العلاقات الإنسانية بينهما كمجتمعين يحملان نفس الصفات والسحنات الديموغرافية والسيكولوجية، من حيث وحدة الدين واللغة، وقوة صلات القُربى وتشابه العادات والتقاليد وسلسلة الأنساق الاجتماعية في (السهل والجبل والساحل). وأستغرب حقيقةً من تأخر إنشاء المراكز الثقافية على كلا الجانبين السعودي واليمني. وكيف لم يُؤسس لها عبر تلك الفترات التاريخية السابقة وحتى الآن. لأن الاكتفاء بإحياء الأنشطة أو الأسابيع الثقافية العابرة. لا يُعبر بصدق عن واقع الأبعاد الثقافية العميقة بين البلدين، ولا يُعطي النتائج الصحيحة عن حجم الصلة والتواصل الوثيقين بين البلدين، ولا يعكس الوجه الحقيقي للإنسان والمجتمع السعودي في أوساط المجتمع اليمني. وذلك في الواقع ما يُبقي الصورة مشوشة تعتليها بعض الضبابية. فالمجتمع اليمني ثري بالتنوع الفكري والسياسي والاجتماعي، ويتقاطع كثيراً مع تنوع المجتمع السعودي في نفس الاتجاهات أيضاً. ووجود (مركز ثقافي سعودي يمني) سيؤمن استمرارية الحراك الثقافي وفق رؤية مؤسسية، تتيح طرح ومناقشة الأفكار والمقترحات والمبادرات على ضوء الشراكة والأهداف بشكل أكثر نضجاً وفاعلية، وسيسهم إلى حدٍ بعيد في صعود المؤشرات الإيجابية للقاءات الثقافية والسياسية والاجتماعية (الكمية والنوعية)، خاصة في ظل تعدد المذاهب الفكرية التي طرأت – في ظل انفتاح العالم على بعضه البعض - على ثقافة المجتمعات العربية ومنها المجتمع اليمني، وسيحل الكثير من الإشكالات والاستفهامات في الذهنية اليمنية عن المجتمع السعودي وثقافاته وفكره. وكسر رتابة الصورة النمطية عند البعض ممن لا يرى المشهد السعودي سوى من زاوية أحادية فقط. وذلك سيكون بالتأكيد نقلة نوعية على مستوى التواصل بين الشعبين الشقيقين السعودي واليمني. وسيفتح الباب واسعاً للتقارب على كل الأصعدة، وبالتالي الدخول إلى مرحلة العلاقة الذهبية المنشودة، وهي وحدة المصير المشترك بكل جوانبه، لمواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بالمنطقة وتمر بها بعض الدول العربية في الوقت الراهن. وتأثر السعودية واليمن بالمتغيرات داخل كل منهما يؤكد على خصوصية وطبيعة العلاقات بينهما.
ولا أشك في وعي القيادتين على كلا الجانبين وحرصهما على ترتيب تلك العلاقة التاريخية، ودفعها إلى آفاق أكثر رحابة وحميمية.