العقليات التي استثمرت في التعليم العام الذي ترك بدون ضوابط حقيقية وبدون رقابة صارمة، هي نفسها تريد أن تنقل نفس الاستثمار إلى التعليم العالي وتريد أن تدير استثمارها في التعليم العالي بنفس الطريقة.. الربح ثم الربح ثم الربح

قرار وزارة التعليم العالي بإغلاق الكليات العالمية سوف يكون مقبولا لو أنه حصل في الفصل الأول أو حتى في السنة الأولى من الدراسة، أما أن يسمح للطلاب بالدراسة عدة سنوات ويصل بعضهم إلى مستويات متقدمة ويدفعون مئات الألوف ثم يأتي قرار الوزارة بالإغلاق، فحتى لو كان هذا القرار مبررا وحتميا في هذا التوقيت فإنه يصعب اعتباره صكا لبراءة الوزارة من القضية. وثمة تساؤلات كثيرة ينبغي على وزارة التعليم العالي ممثلة في التعليم الأهلي الإجابة عليها بشفافية كاملة، وينبغي تحمل المسؤولية التي تشرفت بها الوزارة من قبل خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس التعليم العالي. فلماذا يسمح لمستثمر غير مؤهل بتدريس تخصصات هامة وحيوية مثل تخصص الطب البشري؟ ولماذا يسمح للطلاب بالدراسة قبل اكتمال التجهيزات والبيئة الأكاديمية المكتملة؟ ولماذا تترك هذه الكليات لعدة سنوات؟ ولماذا يسمح للكلية باستقبال ضحايا جدد في كل عام دون تدخل من الوزارة؟. والأهم من جميع ذلك كيف يسمح بجباية هذه الأموال دون التأكد من تحقق الشروط اللازمة للقيام بالتدريس بالمستوى المطلوب في هذا المجال؟
وزارة التعليم العالي مطالبة بالاعتذار لجميع الطلاب والطالبات وأولياء أمورهم، ليس هذا فحسب، بل إنها مطالبة بإرجاع جميع ما دفعه الطلاب لهذه الكليات، لأنه ما كان للقائمين على جباية الأموال من خلال هذه الكليات أن يحصلوا على ريال واحد بدون مصادقة واعتماد من التعليم العالي لهذه الكليات. كما أن الوزارة مطالبة بمعالجة أوضاع الطلاب بشكل لا يقع فيه مظلمة عليهم فيكفيهم من الظلم ما عانوه من هذه التجربة.
معالي الوزير لعلك شاهدت عدم المبالاة التي كان عليها أحد أهم هؤلاء المستثمرين في التعليم العالي وذلك أثناء ظهوره في برنامج الثامنة مع داود على قناة إم بي سي والذي يكشف مدى الاستهتار والعنجهية وعدم المبالاة من قبل هذا الرجل. فهؤلاء المستثمرون يبدو أنه لم يتم التأكد بشكل سليم من مصداقيتهم قبل أن ينالوا ثقة وزارتكم لتدريس الطب البشري بصفته أهم تخصص يحتاجه الوطن، ولذلك فلم يكتفوا بذبح المعايير الأكاديمية ولم يكتفوا بالتخلي عن القواعد المعروفة عالميا في التعليم الطبي لدرجة أن المقبولين في كلية الطب البشري في كليتهم يبلغون ثلاثة أضعاف المقبولين في كلية الطب بجامعة الملك سعود التي مضى عليها أكثر من خمسين عاما. هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مستثمرين في التعليم، وبعد أن ثبت لهم أنه لا يوجد مراقبة ولا متابعة وصل بهم الحال إلى ما هو أخطر من ذلك مثل فرض رسوم إضافية على بعض الطلاب ومنح تسهيلات لطلاب آخرين، وما خفي أعظم.
معالي الوزير ننتظر قرارات تشفي صدور الضحايا من أبنائك الطلاب والطالبات وأسرهم التي دفعت لهم كل ما تملكه من مدخرات وربما البعض لجأ إلى الاقتراض في سبيل تحقيق أحلام فلذات أكبادهم ولكنهم حصلوا من المستثمر على تذكرة من الدرجة الأولى للعبور إلى عالم الضياع ومواجهة المصير المجهول، فحسبنا الله ونعم الوكيل على من تسبب في ذلك، وعزاؤنا في وجود شخصكم الكريم الذي ننتظر منه قرارات في منتهى الشفافية والاعتذار لهؤلاء الطلاب ومعاقبة المقصرين. ولا بد من فتح ملف التعليم الأهلي ومراجعته من جديد لأن هناك كليات أهلية أخرى طلابها يترقبون في كل صباح خبر إغلاق كلياتهم على طريقة قضية الكليات العالمية، وهذه معاناة لا تطاق ولا يوجد عاقل يلوم الطلاب على عزوفهم عن الالتحاق أو الاستمرار في الدراسة في هذه الكليات.
هذه القصة المأساوية تعكس النظرة إلى التعليم الأهلي الجامعي التي تأتي امتدادا للنظرة إلى التعليم الأهلي في التعليم العام الذي كان ولا يزال ينطلق من الربحية البحتة، فالعقليات التي استثمرت في التعليم العام الذي ترك بدون ضوابط حقيقية وبدون رقابة صارمة، هي نفسها تريد أن تنقل نفس الاستثمار إلى التعليم العالي وتريد أن تدير استثمارها في التعليم العالي بنفس الطريقة.. الربح ثم الربح ثم الربح ثم المستوى، وهذا أمر غير ممكن ويجب ألا يكون موجودا لا في التعليم العام ولا في التعليم العالي، إلا أنه لا يمكن احتماله في التعليم العالي، وعلى وجه الخصوص في تعليم المهن المتعلقة بصحة الإنسان بشكل مباشر مثل الطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض، لسبب بسيط وهو أن المتخرج سوف يحصل على رخصة من وزارة التعليم العالي لممارسة المهنة، وهذا مصدر الخطورة ويجب التوقف عنده كثيرا.
التعليم العالي الأهلي يجب ألا يكون هدفه الرئيس الربحية، ويجب أن يكون له موارد أخرى غير الرسوم التي يتم تحصيلها من الطلاب، أما من يرد أن يستثمر في التعليم العالي الأهلي بعقلية تجارية بحتة وبالاعتماد على جيوب الطلاب فقط فعليه أن يبحث عن مصدر آخر للكسب بعيدا عن العبث في حياة الناس، والوزارة لا تحتاج إلى البحث عن نموذج فلديها نموذج لتعليم أهلي مثالي بالشكل السليم وهو جامعة الفيصل الأهلية في الرياض التي تعد واجهة مشرقة للتعليم الخاص.