•حرفة الفنان الجماهيري الساخر، لا تقدم وجهات نظر مباشرة، وإنما تقوم على رصد السلوك البشري، تناقضاته وأمراضه الثقافية، بكل خفاياه ورذائله.. وذكاء النص والمشهد يكمن في الوقوف على مسافة دقيقة من تصارع الأفكار ونزاعات الرأي، فالمجتمعات بقياداتها وتياراتها وأطيافها، وضحاياها، تفتش تلقائياً عن الضحك، بوصفه مسلّياً بسيطاً ومشاعاً، يسند الجميع في مواجهة انشغالاتهم ومراراتهم اليومية، متواطئين ضمناً، ليس على السخرية من بعضهم فحسب، بل وحتى من أنفسهم، وهنا وبالتحديد في هذه المساحة المشتركة ما بين جميع الأطراف يكون اختبار مهارة العمل الكوميدي، كتابةً وفنانين ومشاهد وإخراج.. إلخ. فيلم كروة نموذجاً، على الرابط؛
http://youtu.be/0_xRtyI1GFo
•ما أخفقت فيه إلى حدٍ ما الكوميديا السوداء في السعودية، طيلة العقود الماضية – معذورين بالطبع – نجح في تقديمه لنا شبابٌ لا يملكون سوى حماسة صداقاتهم، وكاميراتهم الصغيرة، وبتجهيزات بسيطة، ليس عبر شركات الإنتاج، ولا مؤسسات الإعلام الرسمية، وإنما عبر حسابات مجانية في اليوتيوب. بهذا العتاد القليل وبوعيهم المزامن للعصر وحاجات المجتمع ومراقبتهم له، نجحوا في أن يجعلونا نضحك معاً بألم، بدلاً من أن نضحك على بعضنا، ونؤلم بعضنا بعضا، نجحوا لدرجة أن المشاهدات التي تحصل عليها حلقة ما من حلقاتهم، تبلغ مئات الألوف وربما تتجاوز المليون مشاهدة في غضون أيام، وتتناقلها رسائل الواتس أب في هواتف الجميع، دون أن تتمكن الطائفية ولا العنصريات، ولا التصنيفات والصراع والتنابز المتبادل بين التيارات أن توقف مدّها واجتياحها لهذا المشترك المفتوح بين الناس!
•محمد بازيد، عمر حسين، فهد البتيري، بدر صالح، مالك نجر، عبدالمجيد الكناني، بدر الحمود.. وغيرهم (معتذراً للكثير من الأسماء المهمة التي تستحق التحية، لكن المقام لا يتسع لحصرها)، نشكرهم من القلب، وما نتمناه على جيل الشباب هذا، وهو يأخذ بيد المجتمع، أن يستمر في انحيازه لعموم الناس الذين يترقبون إنتاجهم، أن يحافظوا على استقلاليتهم، وأن يطوروا رؤيتهم ونصوصهم وأدواتهم وأساليبهم باستمرار، كي لا يقعوا في مأزق النمط، ولا يتأخروا عن تطوّر الوجع اليومي وأشكاله وتحوّلاته وحسّه، نحييكم لأنكم تقومون بفعل غاية في النباهة والنعومة، حيث لا تثيرون شغباً، ولا تصفعون أحداً في وجهه، وتذهبون بسلاسة إلى حيث لا يستعديكم الناس في دواخلهم، بل يثقون بكم، وأذكركم أن الكاتب الصيني (لن يوتانج) أبدى رأياً ضاحكاً، يقول فيه: إذا أرسلت خمسة من أفضل ممارسي الفكاهة في العالم إلي مؤتمر دولي، ومنحتهم السلطات المطلقة ، فإنهم سوف ينقذون العالم.