نجران: محمد آل شريف

25 طالبا بصناعي نجران يتدربون على الترميم بإشراف مسنين

يبدي صالح منصر آل شريه سعادته وهو يضع قالبا على آخر في بناء يكبر أمامه شيئا فشيئا، ومصدر سعادته أولا أنه يبني بيديه، وثانيا أنه يستخدم المواد الأولية التي استخدمها الأجداد، والتي تنحصر في الطين والماء.
يقول صالح إنها المرة الأولى التي أقوم بها بمثل هذا العمل الشاق والممتع في نفس الوقت، لم يسبق لي أن تعاملت مع مثل هذه المواد المستخدمة في عملية بناء البيوت الطينية، كنا وزملاؤنا متعاونين إلى درجة كبيرة، وكنا نعمل كالفريق الواحد، وبينما نحن نقوم بذلك، نتذكر براعة الأجداد في عملية البناء ، وكيف استطاعوا أن يتكيفوا مع زمانهم، وأن يشيدوا بيوتهم بأبسط المكونات المتوفرة في ذلك الحين، ورغم صعوبة العيش وقلة الإمكانات إلا أنهم ضربوا أعظم أنواع الكفاح وبالنسبة لنا فقد حققنا نجاحاً كبيراً في التعرف على فكرة متميزة وواضحة عن التراث النجراني قديما.
صالح أحد المتدربين الذين انخرطوا في فعاليات لايطيح التي تنظمها الهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة نجران، والتي تهدف من خلالها إلى المحافظة على البيوت الطينية القديمة، التي تعتبر من أهم تلك الرموز التي بقيت من ماضي الأجداد القديم.
شارك في الفعاليات التي أقيمت بقصر أبا السعود بالبلد عدد من شباب المنطقة من متدربي المعهد الصناعي الثانوي بنجران ، وكانت مهمتهم ترميم البيوت الطينية القديمة، والمحافظة على مباني التراث العمراني، والاستفادة منها ثقافيا واقتصاديا، وتحويلها من مبان آيلة للسقوط إلى أماكن سياحية وتراثية للمنطقة.
شارك المعهد في الفعاليات بـ 25 متدرباً في مختلف التخصصات الفنية والمهنية، تحت إشراف عدد من المدربين قاموا بتجهيز الحفر، وعمل اللبنات المستخدمة في عملية البناء، بإشراف عدد من الأهالي وكبار السن الذين حرصوا على تعريف شباب المنطقة بطريقة البناء القديم، وكيف كان الأجداد يشيدون مساكنهم من أبسط المواد المتوفرة قديما.
يقول المتدرب علي ظافر آل مهري (من قسم الكهرباء الصناعية) إن ترميم البيوت القديمة أكسبنا مزيدا من الثقة في أنفسنا، فقد تعلمنا الصبر، والعمل بروح الفريق الواحد، كنا نتسابق لحمل مواد البناء فيما بيننا، لم نشعر بالملل، وكنا نعمل طوال النهار، وتحت أشعة الشمس، ونخلط الماء بالطين في مشهد رائع، كان العرق يتصبب من جباهنا، بينما كانت البسمة على وجوهنا، وعندما اكتمل البناء احتفلنا نحن وزملاؤنا، ولم نصدق أعيننا بعدما رأينا البناء شامخا أمامنا.
وقال المدرب بالمعهد الصناعي الثانوي بنجران سرور الشريف أن المتدربين اليوم يعملون في أجواء تختلف تماما عما تعودوه داخل المعهد من قاعات تدريبية، وورش عمل، وأدوات، ومعدات حديثة في الصناعة، لقد عادوا اليوم إلى أكثر من 60 عاما إلى الوراء، حيث كانت البيوت الطينية هي السائدة بالمنطقة.
وأضاف أن هذه التجربة التي يعيشها المتدربون ولأول مرة في حياتهم تعزز روح العمل لديهم، وتعودهم على ظروف الحياة الصعبة، وتعلمهم إن الإنسان هو من يصنع عوامل النجاح في أي مجتمع، ويجعل من الظروف الصعبة عوامل مساعدة وأدوات للنجاح، عدا ذلك تأتي أهمية مشاركة الشباب المهنيين في العمل الحرفي لتكسر ثقافة العيب في المجتمعات القبلية، فالعمل شرف، ولا يوجد هناك تفضيل لمهنة دون أخرى، فالنجار، والبناء، والميكانيكي سواعد لرفعة المجتمع، وهذا ما نسعى إلى تأصيله في نفوس المتدربين من خلال حملة لا تطيح.
من جهته قال مدير المعهد الصناعي الثانوي بنجران سعيد بن أحمد آل جبار إن مشاركة متدربي المعهد تأتي ضمن اهتمامات المعهد بالمهن الحرفية، والتي كان يعمل عليها آباؤنا وأجدادنا قديما بكل فخر واعتزاز، وإلى جانب ذلك فإن الاهتمام بهذه الصناعات والحرف إحياء لأمجاد ماضية حافلة، تمثل جوانب من نهضة بلادنا، وتطورها، ورقيها، ونهضتنا الحضارية.
وأضاف أن سيطرة العمالة الوافدة على حرف الآباء والأجداد أفقدت الموروث الشعبي رونق الماضي وأصالته، لذلك قمنا بتعريف متدربينا من الجيل الجديد جيل التطور والتكنولوجيا بالمهن والحرف الشعبية، وسبل المحافظة عليها عن طريق مشاركتهم الفعالة في عملية بناء البيوت الطينية القديمة، لغرس حب المهن المختلفة في نفوسهم.
وأوضح مدير الآثار والسياحة بنجران صالح آل مريح أن منطقة نجران لها مكانة تاريخية كبيرة منذ قديم الزمان، وقد اشتهرت بالكثير من الآثار والمعالم الحضارية، وتراث عمراني عميق، يعتبر مقوما أساسيا من مقومات السياحة بالمنطقة، من هنا تكمن أهمية الحفاظ عليه.
واضاف أن ما قام به شباب المنطقة متمثلين في متدربي المعهد الصناعي الثانوي بنجران ومشاركتهم الفعالة في أعمال الترميم والبناء للبيوت الطينية دليل واضح على حب شبابنا للعمل الحرفي والمهني، واستعدادهم لبذل كل الجهد للحفاظ على التراث حياً في نفوس أبناء المنطقة.