ما أجمل أن نستفيق صباحا لنجد أنظمة وقوانين لحماية حقوق الناس من الظلم والتعسف، ولكن من المريع أن نصحو أيضا على قرارات تحمي القوي
ما أجمل أن نستفيق صباحا لنجد أنظمة وقوانين لحماية حقوق الناس من الظلم والتعسف، ولكن من المريع أن نصحو أيضا على قرارات تحمي القوي، بينما تضع المستضعف قليل المال والطول في القائمة السوداء، هذا هو ما قامت به وزارة الإسكان حيث تعتزم، حسب ما صدر عنها، تطبيق النظام الجديد لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وإنشاء قائمة سوداء للمتهربين من سداد إيجارات المساكن، سواء السنوية أو المنتهية بالتمليك. وهنا لا ننكر وجود متهربين أو حتى عاجزين عن سداد مستحقات الإيجار للملاك، ولكن: أين يكمن الخلل في هذه النقطة؟ بالتأكيد لا يحدث مثل هذا مع أي مستأجر إلا لأسباب قاهرة وخارجة عن إرادته، خاصة في ظل الظروف المادية والاقتصادية المتغيرة التي يمر بها كل مستأجر.
إن القيام على ترتيب قرارات من هذا النوع أمر محمود ومشكور للوزارة بالالتفات إليه، لوضع ضوابط صارمة لحماية المواطن، لكن هذا القرار يحمي فقط المواطن صاحب رأس المال، فهل نحن بصدد حماية أصحاب رؤوس الأموال مقابل التغاضي عن وضع وظروف وحياة البقية على الجهة المقابلة.
قرارا وزارة الإسكان بوضع المستأجرين في القائمة السوداء يحتم بالضرورة والمصلحة أيضا وضع المؤجرين وأصحاب رأس المال والعقار على قائمة مشابهة، بأن توضع لهم قائمة سوداء لا تقل صرامة عن قائمة الطرف الآخر، وهذا أقل درجات العدل والإنصاف للمواطن الذي لا يجد نظاما يحميه من جشع العقاريين الذين يستبدون في رفع أسعار العقار، ويحركون سوقه ويضعون كل مستأجر على حافة التهديد والحاجة والتضييق المادي في أهم مطلب من مطالب الإنسان وهو الأمان والاستقرار في المسكن.
إن قراءة متأنية لحجم سوق العقار واستغلاله لحاجة المواطن للسكن فاق كل التوقعات، وعلى وزارة الإسكان أن تحول بوصلة قائمتها السوداء إلى الجهة المناسبة، خاصة وأن آخر إحصائية أكدت أن 78 % من السعوديين لا يمتلكون مساكن خاصة بهم، بل ويعيشون في شقق مستأجرة، في مقابل 22 % فقط يمتلكون منازل خاصة مما يدل على أزمة سكنية.
بالطبع سيكون هناك من يعجز عن السداد في أوقات محددة، ومن سيدخل هذه القائمة السوداء من أوسع أبوبها، وسيكون هناك حتما ضحايا في نهاية الأمر، هم مواطنون بسطاء ضاقت بهم السبل. وفي المحصلة النهائية فإن مثل هذا القرار هو في صالح المكاتب العقارية والمستثمرين في العقار، بينما يقف المستأجرون بانتظار قائمة سوداء أخرى تنصفهم بالمقابل من ارتفاع إيجار العقار، والتي لم تصدر ضوابط بشأنها، ولا زال يتعايش معها المستأجرون مثل قدر محتوم يحل بهم، هذا طبعا بالإضافة إلى القدر الجديد الذي أصبح واقعا عليهم وهو القائمة السوداء التي استحدثتها وزارة الإسكان. وطوبى للناجين من القائمة.