مما يُلاحظ على نظام التنفيذ أنه لم يعالج تنفيذ الأحكام ضد الجهات الحكومية التي يُصدرها ديوان المظالم، الأمر الذي يعاني منه المحامون والناس كثيرا، بسبب تأخر التنفيذ لسنوات طويلة

في شعبان الماضي صدر نظام التنفيذ حاملا معه ثورة تشريعات نظامية لتسهيل تنفيذ الأحكام التي ربما كان بعضها معطّلاً لعشرات السنين دون تنفيذ بسبب قصور بعض أدوات التنفيذ الحالية! وفي حال تطبيق النظام؛ فإن صورة الوضع العدلي في المملكة ستتغير كثيرا بإذن الله إلى الأفضل، وسيأخذ القضاء هيبته وقوته أمام الجميع، خصوصا المحتالين والمماطلين الذين يعبثون لسنين على نقاط الضعف في التشريعات السابقة.
فالنظام ولأول مرة؛ وضَعَ إمكانية توثيق العقود أو أي ورقة أخرى، طالما أن الأطراف يوافقون على ما فيها، ومن ثمَّ تصبح سنداً تنفيذياً يمكن تنفيذه والإلزام به بقوة النظام، فبإمكان الشخص الذي لديه حقٌ على آخر، أن يتجه لقاضي التنفيذ لتوثيق هذا الحق مباشرة، طالما أن الطرف الثاني مقرٌّ بما فيه، مع ملاحظة أن النظام قد وضع عقوبة صارمة لمن يكذب أمام القضاء -سيأتي الحديث عنها - فإذا أنكر الطرف الثاني أو كذب فإنه سيُعرض نفسه للعقوبة، وهذه الخطوة ستوفر كثير من الوقت على الناس وعلى القضاء أيضا بإذن الله.
كما أن النظام أعطى لقاضي التنفيذ سلطةَ الأمر بالإفصاح عن أموال المدين، وإنفاذ أمر الإفصاح على جميع الجهات المختصة والمشرفة على تسجيل الأموال، مما يُخوّل القضاء الوصول إلى معرفة ممتلكات المدينين المماطلين بسهولة، ولكن هل تدخل فيها الحسابات البنكية؟ أعتقد أنها تشملها كما تُشير لذلك المادة 18 في الفقرة الثانية منها (عموم عبارة الأصول المالية).
وفي المادة 88؛ جرّم النظامُ الكذبَ في الإقرارات أمام المحكمة أو الكذبَ في الإجراءات أو تقديمَ بيانات غير صحيحة، ووضع عقوبة محددة وهي سجن يصل إلى سبع سنوات، وهذا يُعطي المحكمة هيبتها تجاه المماطلين والمحتالين الذين اعتادوا الدخول والمماطلة في المحاكم وأمام قضاتها. كما وضع النظام في مادته 90 عقوبة أخرى للمدين المحتال أو المدين الذي يُبدّد أمواله رغم أن عليه ديونا ولم يُسددها، هذه العقوبة قد تصل إلى 15 عاما، وهي عقوبة قوية جدا ورادعة بإذن الله.
ثم انتقل النظام إلى تأسيس قطاع خاص يهتم ويختص بعدد من الأمور التي يُمكن إيكالُها إليه مع إشراف قاضي التنفيذ. ففي المادة 93؛ أعطى النظامُ القطاعَ الخاص حق المش،اركة في المجالات التالية: 1- مبلغي الأوراق القضائية 2- وكيلي البيع القضائي 3- الحارسين القضائيين 4- الخازنين القضائيين. 5- الشركات المتخصصة الإشرافية على عملية تسلُّم المؤجر الأصول المنقولة. 6- مقدمي خدمة التنفيذ عموما. وإسناد هذه الأعمال إلى القطاع الخاص مع الإشراف عليها يجعل تنفيذ الأحكام والسندات التنفيذية عموما في غاية القوة بإذن الله، وسيحد الكثير من التلاعبات والمماطلات وضياع الحقوق.
ولكن كل هذه الأمور وغيرها من الآليات التي وضعها النظام تحتاج إلى إعداد وتهيئة من وزارة العدل قبل بدء فعالية النظام، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن - حسب جواب بعض الزملاء المشايخ القضاة المختصين بالتنفيذ - فلم يتم إطلاعهم بأي إجراء للتهيئة لتطبيق النظام الجديد! وهذا يذكرني بعدد من التشريعات التي لا تزال في الإدراج ولم تطبّقها وزارة العدل حتى الآن! رغم أنها صدرت منذ سنوات طويلة، مثل نظام هيئة القصّر الذي صدر عام 1427! وعدد من تشكيلات نظام القضاء الذي صدر عام 1428!
مما قد يُلاحظ على النظام؛ أنه لم يُعالج تنفيذ الأحكام ضد الجهات الحكومية التي يُصدرها ديوان المظالم، الأمر الذي يعاني منه المحامون والناس كثيرا، بسبب تأخر التنفيذ لسنوات طويلة، وربما توقفه أيضا! وكان من المفروض عقد فصل خاص بذلك، يضع فيه آليات يُلزم بها الجهات الحكومية كما وضع ذلك ضد الأفراد. وقد تناقشت مع بعض الزملاء القانونيين، حول هذه الملاحظة، وبعضهم يرى أن النظام عالجها بأن أحال المسؤولية للفرد المسؤول، ولكن لا أعتقد أن هذا مقصد واضع النظام، حيث لم يتطرق النظام للجهات الحكومية فيما يخص الموضوع إلا في ثلاثة مواضع. ففي المادة 21 فقرة 1؛ استثنى أموال الدولة من التنفيذ، وفي المادة 71؛ أشار إلى شمول أحكام التنفيذ المباشر للأشخاص المعنوية إلا أنه حصرها في الخاصة وأخرج الحكومية، ثم في المادة 89؛ عاقب الموظف العام لإعاقته التنفيذ، وجعلها جريمة مخلة بالأمانة، وهذا الموضع هو أقواها في الاحتمال؛ إلا أنني أفهم منه شموله للموظفين الذين يعوقون التنفيذ لمصلحة طالب التنفيذ وليس الجهات الحكومية المنفَّذ عليها، أو بمعنى آخر أنه لا يقصد في حالة كون الجهة الحكومية أحد أطراف القضية المتخاصَم فيها، وإنما كجهة تقوم بالتنفيذ فقط والله أعلم.
وملاحظة أخرى؛ وهي في فصل العقوبات التي وضعها النظام، جعل النظام اختصاص إيقاع العقوبات إلى المحاكم الجزائية، وليس لقاضي التنفيذ، وهذا قد يجعل هناك تداخلا وتعطيلا لقضاء التنفيذ، وربما كان الأنسب لو أعطيت لقاضي التنفيذ مع وجود حق الاستئناف للمدين. نعم، قد يوجد هنا تعرّض للنظر في الموضوع، ولكنه مرتبط ارتباطا وثيقا بآلية التنفيذ وعوائقه، وليس صلب القضية؛ فكان الأولى تركه لقاضي التنفيذ والله أعلم.
وهذه الملاحظات لا تقلِّل من شأن النظام، ولا من جهود اللجان التي صاغت المشروع، بل أستطيع القول بأن هذا النظام من أفضل الأنظمة السعودية الحديثة وأكثرها جودة وتطوّرا رغم صعوبة موضوعه وتشابكه. وبالتأمل في النظام، يبدو أنهم استفادوا من تجارب وقوانين الآخرين، وهذا هو الخيار الصحيح؛ أن نستفيد من آخر التجارب وألا نبدأ من الصفر. وليس لنا إلا شكر القائمين عليه، ودعوة وزارة العدل بالبدء في التهيئة لتطبيقه بأسرع وقت.