تمضي على اختراعاتنا فترات طويلة ولم نر جهة محددة ترعى الشباب المتفوقين الذين سجلوا براءات اختراع، وتساعدهم على تحويل تلك الاختراعات إلى شركات منتجة
في العصور الوسطى ما بين القرن الحادي عشر والثاني عشر الذي سمي عصر الانحطاط في الغرب عاشت الأمة الإسلامية عصراً ذهبيا برز فيه علماء المسلمين في مختلف العلوم الأساسية مثل الطب والرياضيات والفلك والفلسفة، ويعود لهم الفضل في جزء كبير من المدنية، ولا أقول الحضارة، التي يتمتع بها الغرب الآن. فقد كان لهم الفضل في كثير من الاختراعات والاكتشافات وكان العلماء المسلمون يتميزون في أكثر من علم وأكثر من تخصص، كما كانوا أيضاً يعملون بجهود ذاتية ويسافرون بدون انتدابات ولا مصاريف سفرية ويعملون طيلة اليوم دون خارج دوام، الأمر الذي جعل من أعمالهم خالصة للعلم ذاته وتحقق لهم بذلك النجاح. لم يكن هناك بيروقراطية ولا مسؤولون محبِطِّون.. واليوم تشير الإحصاءات إلى أن العالم الإسلامي يتمتع بالمواهب والقدرات والعقول مما يمكنه من استعادة مجده، والوصول إلى العالم الأول والتربع على قمته أيضاً.
دول العالم الإسلامي تسجل في كل عام المئات من براءات الاختراع، لكن البيروقراطية وأصحاب القرار لم ينجحوا حتى الآن في استثمار هذه البراءات. سننظر إلى نماذج من العالم الإسلامي وبراءات الاختراع التي سجلها علماؤه في 15 عاما، من عام 1996 إلى عام 2010. في السعودية سُجل عدد 28 براءة اختراع عام 1996 وعدد 868 براءة اختراع عام 2010 بزيادة 96.8% وعدد الاختراعات إلى هذه الفترة 2487 براءة اختراع. في مجالات الهندسة الكيميائية والكيمياء العضوية الدقيقة والمادة الكيميائية البسيطة والجزيئيات الكيميائية غير الدقيقة والقياس والهندسة المدنية وتكنولوجيا الحاسب الآلي وتكنولوجيا البيئة والتكنولوجيا الطبية وغيرها. وفي باكستان 1182 براءة اختراع في نفس الفترة في تخصصات نادرة. وفي مصر 6960 براءة اختراع وكذلك في الجزائر 674. هذا ما نقلته لنا المنظمات الدولية وفق معاييرها المتقدمة. ونسأل ببراءة كاملة: أين هي هذه الاختراعات على مدى الـ15عاما الماضية..؟ وكيف حال هؤلاء المخترعين الذين يعتبرون صفوة المجتمع وقرة عينه.. أين هم؟ أليس من المخجل للعالم الإسلامي أن يعيش على فتات مخترعات الغرب، ومخترعوه مهمشون، ومُختَرعاته ضائعة؟ العالم الإسلامي فيه من القدرات والعقول والإمكانات ما يؤهله الآن أن يعيش عصراً ذهبيا جديدا، ونحن هنا إذ نكرر الحديث عن هذه القضية لأنها من أهم القضايا في مجتمعنا الإسلامي. ونوجه هذا السؤال بحرقة للتراخي الواضح وغير المبرر الذي يتم التعامل به مع المخترعين واختراعاتهم بالرغم من أننا نعرف جميعا أن هذه المخترعات وهؤلاء المخترعين هم الثروة الحقيقية التي لا تنضب. وهؤلاء المخترعون يحققون توجهات هذا العصر وأهدافه، وما يسمى اقتصاد المعرفة، والأمة، أي أمة، تتقدم بفضل الله ثم بفضل مواطنيها ومواطناتها المبدعين والمبدعات الموهوبين والموهوبات.
التكنولوجيا التي ننعم بها في هذا العصر هي نتاج مخترعات لفئة مبدعة تناولتها أيدي مسؤولين جادين وحولت إبداعاتهم إلى صناعات وبضائع تعتمد عليها اقتصادات تلك الدول المتقدمة وخدموا بها المجتمع الكوني. خذوا على سبيل المثال.. إشاعة الرنين المغناطيسي والـ GPS وتقنية الجوال هي نتاج أبحاث ومبتكرات تحولت إلى قوى اقتصادية. وشركة سامسونج التي تدر على كوريا أكثر من 60 مليار دولار هي نتاج براءة اختراع.
الخسارة الحقيقية لأمتنا هي ألا تستثمر قدراتها فيما الآخرون يفعلون. ولا تقدر عقول صفوتها والآخرون يفعلون. وكم رأينا من تسجيل لبراءات اختراع كثيرة. واحتفاء المراكز العلمية في طول الأرض وعرضها من ماليزيا إلى أميركا مروراً بالمراكز العلمية في أوروبا. وحصول مخترعينا من هذه المراكز على اعترافات وجوائز. وكل ذلك يفترض أن يكون مرحلة ضمن المراحل التي تمر بها هذه الاختراعات وليس هدفاً. مرحلة يُفترض أن يتبعها مراحل حتى تصل هذه الاختراعات إلى شركات ومصانع تنتج بضائع يتم تصديرها.. تسهم هذه الاختراعات في الارتقاء بمستوى الاقتصاد فتؤثر إيجابيا على الميزان الاقتصادي، ليصبح ما يصدر أكثر مما يستورد، وتسهم في حل مشكلات البطالة بتوظيف المواطنين وما يترتب على ذلك من مشكلات نعرفها جميعا. وتوصلنا إلى العصر الذهبي.
إن من غير الحكمة ألا يستثمر أي وطن جهود مبدعيه وموهوبيه في البلاد المتحضرة والمتقدمة. لا يمضي شهر من تسجيل براءة الاختراع حتى يتحول ذلك الاختراع إلى شركة تسهم في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. والتفصيلات في ذلك كثيرة. المفترض ألا تكون مسؤولية تحويل المخترعات إلى بضائع مسؤولية المخترع. المخترعون يحتاجون إلى دعم حكوماتهم، والعدو الأول هنا هو الوقت. 15 عاما تمضي على اختراعاتنا ولم نر شركة خرجت من رحم هذه الاختراعات. ولم نر جهة محددة ترعى هؤلاء الشباب المتفوقين الذين سجلوا براءات اختراع عديدة وتساعدهم على تحويل تلك الاختراعات إلى شركات منتجة. نقدر لتلك الجهات التي رعت تلك المواهب حتى أوصلتها إلى هذا المستوى، لكن ليس من مهام تلك الجهات إكمال المسيرة. الأمر يحتاج إلى أنظمة لا تنزلق في نمطية الروتين وسرد المبررات التي تضع العراقيل وتعطل هذه الإنجازات النوعية وتضعها على الرفوف تكوِّم الغبار. نحن لا نريد ذلك. نريد أنظمة تعد خططاً وسياسات تتجاوز الروتين وتتجاوز التبريرات لنرى مصانع قد قامت وشركات قد أسست لنجني ثمار هذه الاختراعات في وقت قياسي، لتتحول هذه الابتكارات إلى صناعات تحول أمتنا إلى دول متعددة مصادر الدخل غيرالقابلة للنضوب، واقتصاد المعرفة غير قابل للنضوب.
الخطوات المتحققة في وصول موهوبي الأمة إلى هذه النتائج الباهرة هي خطوات على الطريق الصحيح. إنها تحقق لنا اقتصاد المعرفة. هذا الهدف الذي أصبح سمة بارزة من سمات عصرنا الحاضر. ومن غير المناسب ألا تعيش بلداننا اقتصاد المعرفة في عصر اقتصاد المعرفة.
الإحصاءات والتقارير العالمية تشير إلى أن أعداد المخترعين وأعداد الاختراعات في عالمنا الاسلامي تزداد. ونحن نعرف جميعاً أن أي أمة لا يمكن أن تتقدم إلا بعقول مبدعيها. ومن غير الملائم أن نعيش على منتجات واختراعات وعقول الآخرين ومنتجات عالمنا الإسلامي واختراعاته وعقول متميزيه معطلة لا يستفاد منها. لعل في المنظمات العربية والإسلامية والهيئات والمؤسسات الأمل أن تناقش هذه المشكلة وتتبنى حلولاً عملية واقعية لاستثمار عقول مبدعينا والعودة إلى عصر ذهبي جديد للمسلمين، فنحن نمتلك بالفعل أدوات العودة إليه. وأكرر القول إن عدونا الأول هو الوقت.