منطقة ما بين خط عرض 13 شمالا وخط عرض 33 شمالا ستتأثر برحلة الشريط الاستوائي، مما يؤدي إلى ارتفاع واضح في درجة حرارة المياه السطحية للمحيط الهندي وبحر العرب، وهذا يعني استمراراً لهطول الأمطار على جنوب المملكة قد يستمر حتى سبتمبر
تشهد جميع دول العالم تغيرات مناخية لم تألفها أو تعرفها من قبل، فالقحط والجفاف أصبح سمة ملازمة لبعض مناطق العالم، بينما تشهد مناطق أخرى في العالم فيضانات مدمرة. ومما يؤسف له أن جزيرة العرب وبالتحديد المملكة العربية السعودية، أنموذج مصغر تحدث فيه جميع التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم، فالجنوب الغربي من المملكة العربية السعودية يواجه فيضانات وأمطارا وعواصف لم يعرفها سكان هذه المناطق منذ عقود طويلة، بينما وسط وشرق المملكة يواجه موجة شديدة من الجفاف والقحط. ومنذ أكثر من عامين تحدثت في جميع وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء عن التغيرات المناخية المتطرفة التي تواجهها جزيرة العرب، وعلى صفحات هذه الصحيفة تحدثت عن هذه الظاهرة في أكثر من عشرة مقالات منذ عام 2008 وحتى هذا اليوم وتحت عناوين مختلفة منها التطرف المناخي في جزيرة العرب، وماذا يحدث في جزيرة العرب..إلخ، وفي معظم هذه المقالات تنبأت بما تواجهه وستواجهه مناطق جنوب غرب المملكة من فيضانات من مدينة أبها جنوبا وحتى مدينة الطائف شمالا، والتي ذهب ضحيتها العشرات. وأنا أتوقع أن يستمر هطول الأمطار على هذه المناطق في فترات متقطعة حتى منتصف شهر سبتمبر القادم. حديثي هذا ليس رجما بالغيب، فأنا لست عالما بالغيب أو منجما أو قارئاً للفنجان أو ضاربا للودع، ولكن كل ما أتحدث عنه مبني على دراسة سابقة لمعاهد وأساتذة عظام لا يشق لهم غبار.
منذ أكثر من عشرين عاما اكتشفت أكبر ظاهرة مناخية في منطقة المحيط الهادي عرفت فيما بعد بظاهرة النينو EL Nino وهي ظاهرة مناخية فريدة تحدث على طول خط الاستواء في المحيط الهادي ما بين أمريكا الجنوبية وكل من قارة أستراليا والأرخبيل الإندونيسي. المحرك الأساسي لهذه الظاهرة المناخية هو ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي ولا يسع المقام لمزيد من التوضيح. ومما هو جدير بالذكر أن فهم ظاهرة النينو وضع الأساس العلمي الصحيح لتفسير العديد من التقلبات المناخية التي تحدث في منطقة المحيط الهادي الاستوائية، ولكنها عجزت عن تفسير التقلبات المناخية التي تحدث في منطقة المحيط الهندي، والتي عادة ما تتأثر بها مناطق جنوب جزيرة العرب، وكان آخرها الأمطار التي هطلت والتي مازالت تهطل على جنوب غرب جزيرة العرب. أضف إلى ذلك إعصار فيت الذي اجتاح سواحل سلطنة عمان منذ شهور مضت.
في عام 1999 تمكن كل من البروفيسور Yoshio Yamgata الأستاذ بجامعة طوكيو والبروفيسور Saji Hamid أحد أشهر خبراء التغير المناخي في العالم، تمكن هذان العالمان الفذان من اكتشاف ظاهرة مناخية أخرى تحدث على طول خط الاستواء في منطقة المحيط الهندي ما بين الأرخبيل الإندونيسي وشرق القارة الأفريقية أطلقا عليه اسم القطبية الثنائية للمحيط الهندي Indian Ocean Dipole (IOD). اكتشاف هذه الظاهرة مكن خبراء المناخ بعد ذلك من التنبؤ بجميع التقلبات المناخية التي تحدث في منطقة المحيط الهندي الاستوائية والتي تؤثر بصورة مباشرة على جنوب جزيرة العرب. ونحن عندما نتنبأ بما يحدث وسيحدث من تقلبات مناخية في جزيرة العرب فإنما نستنبط ذلك من نتائج أبحاث هذين العالمين. ومن أهم ما يعتمد عليه في التنبؤ بحدوث الظواهر المناخية، الشذوذ في ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية لمياه المحيط الهندي وبحر العرب، فالارتفاع في درجة حرارة المياه السطحية لمياه بحر العرب والمحيط الهندي يعني بالضرورة امتدادا ملحوظا جهة الشمال في فصل الصيف لما يعرف بالشريط الاستوائي المطير Inter tropical convergence zone (ITCZ) وهذا يعني بالطبع أن جميع الدول الواقعة في منطقة العروض ما بين خط عرض 13 شمالا وحتى خط عرض 33 شمالا ستتأثر برحلة هذا الشريط الاستوائي إلى الشمال، ومن المبشر للخير كما أرجو ذلك أن التقارير تشير إلى ارتفاع واضح في درجة حرارة المياه السطحية للمحيط الهندي وبحر العرب وهذا يعني استمراراً لهطول الأمطار على هذه المناطق قد يستمر حتى شهر سبتمبر، لذلك يجب أن نستعد ونعد العدة لذلك. والله أعلم.
وقد سألني أحد تلاميذي عن السبب خلف الشذوذ الواضح في ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية للبحار والمحيطات، والتي عادة ما تتسبب في تكوين الظواهر المناخية المدمرة مثل ظاهرة النينو التي تحدث على طول خط الاستواء في منطقة المحيط الهادي وظاهرة الثنائية القطبية للمحيط الهندي. السبب في ذلك كما أوضحه علماء البيئة يعود لسببين السبب الأول: هو زيادة البقع الشمسية التي تحدث على سطح الشمس والتي هي عبارة عن انفجارات قوية تعادل قوة بلايين القنابل النووية ويصدر عنها ألسنة من اللهب تمتد لآلاف الكيلومترات، وهي عبارة عن موجات كهرومغناطيسية حرارية تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية وهذه البقع الشمسية تم رصدها منذ أن اكتشف العالم الإيطالي جاليليو التلسكوب منذ حوالي 500 عام تقريبا، حيث ثبت علميا منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا بما لا يدع مجالا للشك أن هناك تناسبا طرديا بين عدد البقع الشمسية وبين معدل ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي. والارتفاع في درجة حرارة الغلاف الجوي يعني بالضرورة ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية للبحار والمحيطات في المناطق الاستوائية التي عادة ما تكون المحرك في تكوين التقلبات المناخية المدمرة. أما السبب الثاني فهو عبارة عن ثلاث دورات طبيعية تحدث في فترات زمنية محددة، الدورة الأولى تحدث كل 100 ألف عام، أما الدورة الثانية فتحدث كل 24 ألف عام أما الدورة الثالثة فتحدث كل 13 ألف عام وهذه الدورات الثلاث تعرف بدورات ميلانكوفتش التي حددت بدقة متناهية حدوث العصور الجليدية على سطح الكرة الأرضية. والحديث موصول بمشيئة المولى.