عند السّادسة صباحاً، كتب أحد الأصدقاء من الإعلاميين المعروفين، تغريدة طيبة تقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وتركها على صفحة تويتر، ثم ذهب إلى عمله مطمئناً شاعراً بالسلام، ومزدحماً بالحب الذي لا يعرف إلا إياه.
بعد الظهر، أرسل إليّ رسالة جوال تقول: إذا أردت أن تعرف حجم جنايتنا على عقول العوام من بنينا وبناتنا، فاقرأ التعليقات على تغريدتي الأخيرة.. لكن من الجاني يا أحمد؟.
على الفور، قرأت تغريدته، فلم أتوقع أنها المقصودة حتى قرأت التعليقات، وضاق مني الصدر والنفْسُ والنفَس والدنيا الرحيبة، حتى خلت أنني لن أبتسم بعدها أبداً، ثم استحضرت نظائر إنترنتية كثيرة، فأيقنت أن ما يحدث من خطل عادي، على الرغم من أنه غير عادي في جوهره، وإنما هو خلل مركب يصعب إصلاحه إلا بتكامل جهدين معا، ولن يعملا معاً ما دام فينا من يحرض علينا.
إليكم نماذج من التعليقات؛ أحدهم كتب يقول: يعني تبغى تعلمنا أنك تعرف ربي... قبح الله وجهك يا علماني، وكتبت أخرى: ذنوبك كالجبال يا صاحب المواضيع الليبرالية وما تمسحها دعوة ع تويتر، وكتب ثالث: فرحان يعني تبغى المشايخ الفضلاء يسوون لك رتويت... رح ياشيخ العب غيرها، وكتب رابع: أحلى يا اللي يعرف الأذكار، وكتب خامس: هي كلمة طيبة لو أنها صدرت من غيرك، لكنها منك كلمة حق أريد بها باطل!!
لم أكمل قراءة التعليقات، وأرسلت إلى صديقي: عادي يا رجال تصير مع أفضل التغريدات ولا يهمك؛ أرسلتها إليه على الرغم من أنني كنت أتألم له، ولهؤلاء المعلقين، ولمجتمعنا، ولإسلامنا الذي بات ـ في عقول المساكين ـ حكراً، وتساءلت عن الأسباب فوجدتها ألف سبب وسببا، لكنها – دائما – من المسكوت عنه، لأن جلّها داخل في باب الحكم على النيات، وهو حكم غير أخلاقي، بل إنه السبب الرئيس في وجود أمثال هؤلاء المعلقين العاجزين عن الموضوعية والتجرد نتيجة النقص المعرفي الكبير، ونتيجة تعطيل العقل، ونتيجة التلقي المتصل للشفاهي القائم على الإنشائيات المجلجلة، والتوجيهات المباشرة، ذات الشكل البراق، والمضمون المسموم، دون أن تحوي مادة معرفية حقيقية، أو تحرض على استقلال طريقة التفكير، بقدر إصرارها على أهمية التبعية والتسليم، وتأكيدها على تكريس الأحكام المعممة، برغم جورها وتسرعها وعدم أهلية مصدريها لإصدار ما هو أدنى منها، فضلاً عن إصدارها، وهي المتعلقة بنوايا النّاس، وما تخفيه صدورهم.
لن أقول إن هناك من يستفيد من العبث بعقول العوام من شبابنا، ولن أقول إن المسألة متعلقة بأجندة ذات أوراق كثيرة، تهدف إلى هدف استراتيجيٍّ له مدى زمني يعلمه مخططوه.
لن أقول ذلك مؤمنا به، لن أقوله، لأن إحسان الظن مقدم على ضده.