رحم الله الشاعر التونسي الكبير أبا القاسم الشابي القائل:
الشقي الشقي من كان مثلي
في حساسيتي ورقة نفسي
وليت أبا القاسم قال: السعيد السعيد.. لأن من وهبه الله نفسًا رقيقة حساسة ليس بشقي، بل هو الإنسان حقًّا.. ولنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام خير أسوة، وأفضل قدوة، فهو الإنسان العظيم الذي كان يحتمل أذى جهلاء قومه، وأخطاء أصحابه، فيقول في الأولى اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ويقول في الأخرى ما بال أقوام، وهو الذي كان يتغير وجهه إذا علم بما يمسُّ ثوابته في إطار من الحياء، وحُسن الخُلق، فلا ينتقم، ولا يلعن، ولا يَسبُّ!!
ليس عيبًا أن يكون الإنسان حسَّاسًا.. وليس قصورًا أن يحمل الإنسان الرقة والسمو.. لكن نقص الشخصية وعلتها يكمن في القسوة والفظاظة والغلظة وعدم مراعاة مشاعر الآخرين، التي تجعل الناس نافرين من تلك الشخصية بعيدين عنها!! أعجبُ ممن يعيبون على شخص راقٍ طيبته وتواضعه وقربه من الناس واحترامه لهم.. وأحار ممن يمدحون من عُرف بالدناءة والاحتيال وخسة النفس وقسوتها باعتباره قد سَبَّعَ نفسه، وثمنَّها، وتسَّعها.. ألم نحفظ، وخالق الناس بخُلق حَسَن؟! وندرك معها وجوب تمسكنا بإنسانيتنا مع من نعرف، ومن لا نعرف!
جميل أن يحيا المرء بقلب رقيق يحب الخير، ويأسره المنظر الجميل، ويحترم الآخرين مهما كانوا بنفسه الجميلة، وروحه السامية حتى وإن كان يُحس بالألم بسبب جهلهم وقسوتهم وصدودهم، لكنه ألم في الظاهر، وسعادة في الباطن، فالأجر مع الصبر.
وقد يكون الإنسان حَسَنًا في تعامله مع من يعرف، أو من تربطه بهم مصالح مشتركة، وهذا أمر جيد.. ولكن علو الإنسان، وطيب تعامله لن يظهر حقيقة إلا مع من لا يعرف.. في السوق وفي الطريق.. مع العالِم والعامل.. مع الصغير قبل الكبير.. حتى في سلوكه وتصرفاته يجب عليه ألا يُزعج إنسانًا بسلوك غير مسؤول، أو تصرف غير مأمول.
إن السعادة تكمن في كبير الإحساس، وسلامة النفس، وطيب السريرة، فلقد شهد حبيبنا عليه الصلاة والسلام لرجل بالجنة لسلامة نيته، وصفاء قلبه.