في وثائق انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، التزمت المملكة بتطبيق المعاملة الوطنية في فرض الضرائب والتي منها ضريبة الدخل على الأفراد
قبل فترة وجيزة طالبت اللجنة المالية بمجلس الشورى السعودي بدراسة إمكانية فرض ضريبة الدخل على الوافدين العاملين في القطاعين العام والخاص، بهدف التسريع في توطين الوظائف والحد من تحويلات العمالة غير السعودية التي فاقت 100 مليار ريال سعودي في العام الماضي.
لا شك أن اللجنة المالية ستطلب مشاركة كل من اللجنتين الاقتصادية والقانونية في إعداد الدراسة المطلوبة، لأنه من الضروري أن يلم جميع أعضاء المجلس بكافة الجوانب الاقتصادية والقانونية إلى جانب النواحي المالية قبل اتخاذ القرار المناسب.
من المتعارف عليه أن الضريبة تعتبر فريضة مالية تحددها الدولة، ويلتزم بأدائها كل مواطن ووافد بلا مقابل؛ لتتمكن الدولة من القيام بتحقيق أهداف المجتمع. وللضريبة 4 أركان رئيسة: فهي إلزامية، تحددها الدولة، لتفرض بدون مقابل، وتدفع لتحقيق أهداف المجتمع. كما تتكون الضريبة من 5 أنواع مختلفة: فهنالك الضريبة الوحيدة والمتعددة، والضريبة على الأشخاص والأموال، والضريبة المباشرة وغير المباشرة، والضريبة على الثروة والدخل، والضريبة على الإنفاق.
قبل فرض الضريبة في جميع دول العالم، يقوم الجهاز الاستشاري في الدولة بإجراء دراسة عميقة لتاريخ الضرائب والتزامات الدولة أمام عقودها مع الوافدين واتفاقاتها الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف، إلى جانب مدى قدرة هذه الضريبة على تأمين الهدف التنموي من فرضها في الدولة المستهدفة، خاصة وأن المملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض الزكاة الشرعية والضريبة ضمن حدود مدروسة ومتباينة وملزمة.
تاريخياً، قامت المملكة بفرض ضريبة الدخل لأول مرة بعد صدور المرسوم الملكي رقم 17/2/28/3321 وتاريخ 21/ 2/ 1370، وتبعه صدوراللائحة التنفيذية برقم 340 في 1/7/1370 والقرار الوزاري رقم 394 وتاريخ 7/ 8/ 1370 القاضي بإنشاء مصلحة الزكاة والدخل. كما قامت المملكة بإصدار المرسوم الملكي رقم 17/2/28/8634 وتاريخ 29/ 6/ 1370 القاضي باستيفاء الزكاة الشرعية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بواقع 2,5% من الأفراد والشركات الذين يحملون الجنسية السعودية، وعلى ضوئه صدر القرار الوزاري رقم 393 وتاريخ 6/ 8/ 1370 متضمناً التعليمات الخاصة بتنظيم وتحقيق وتحصيل الزكاة من المكلفين بها شرعاً من السعوديين، ومؤخراً من رعايا دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وفي 4/ 5/ 1395 صدر المرسوم الملكي رقم 37، الذي نص على إلغاء ضريبة الدخل.
أما الضريبة المفروضة على الشركات الأجنبية الوافدة، فهي تلك التي تفرض على الأرباح الصافية التى تحققها كل شركة غير سعودية، وليست من دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها تمارس أعمالها في المملكة. في 5/ 1/ 1421 صدر قرار مجلس الوزراء رقم 3 القاضي بتحمل الدولة 15% من الضريبة المفروضة على أرباح الشركات (ماعدا شركات النفط والغاز) التى تزيد عن مليون ريال، لتنخفض الضريبة إلى 20% فقط.
في اتفاقاتنا الدولية، أوضحت المملكة أن الفرق (الشاسع) بين الزكاة الشرعية وضريبة الدخل يخضع لسوء فهم المستثمرين الأجانب، فليس صحيحاً القول أن العبء الضريبي (وهو مختلف عن المعدل الاسمي) كان أعلى بالنسبة للأجانب منه مقارنة بالمواطنين السعوديين أو الشركات السعودية. فالزكاة ركن من أركان الدين، ولأن نسبتها وأساس تحصيلها منصوص عليهما في الشريعة الإسلامية، فلا يمكن بالتالي تغييرهما. وفي الوقت الذي انخفضت ضريبة الدخل على الشركات الأجنبية إلى 20% من صافي الأرباح، تصل نسبة الزكاة على المواطنين أو تتجاوز 100% من صافي الأرباح. كما أن الأفراد السعوديين والشركات السعودية الذين يشاركون في استثمارات الغاز الطبيعي أو أنشطة إنتاج النفط والهيدروكربونات يخضعون مثل غيرهم تماماً لضريبة الدخل، إضافة إلى أن المواطن السعودي غير المقيم الذي يمارس أعمالا تجارية في المملكة من خلال مؤسسة دائمة ويحقق ويجني دخلاً من مصدر معين داخل المملكة، يخضع أيضاً لضريبة الدخل.
في وثائق انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، التزمت المملكة بتطبيق المعاملة الوطنية في فرض الضرائب والتي منها ضريبة الدخل على الأفراد. كما تم الالتزام بأن التعديلات على النظام الضريبي المستقبلي يجب ألا تكون أقل مواتاة للأفراد والشركات الأجنبية أو أكثر تشدداً عليها مما هو مطبق في المملكة لدى الانضمام.
لا شك أن أعضاء مجلس الشورى يشاركوني الرأي في أن الهدف الرئيس للسياسة المالية في المملكة هو تشجيع النمو الاقتصادي، وتنويع الاقتصاد وتحسين مستويات المعيشة، من خلال توفير خدمات التعليم والخدمات العامة الأخرى، بما يؤدي لتنويع الاقتصاد وزيادة اندماج في الاقتصاد العالمي. ولا شك أنهم يعلمون أن الضرائب على شعوب العالم المفروضة منذ عام 1988 وحتى يومنا هذا زادت قيمتها بنسبة 134%، بينما لم يزد الناتج المحلي لهذه الدول عن 47%. هذه الزيادات لم تأت بالتدريج حتى يستوعبها الاقتصاد العالمي والشعوب، بل جاءت في الأوقات التى لم يزد فيها معدل دخل الفرد سوى 11% بالأسعار الجارية، بينما تناقص هذا الدخل 26% بالأسعار الثابتة، فأصبحت الشعوب تعاني من نقص الدخل وزيادة الضرائب.
في المقابل أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك اليوم أفضل الأنظمة الضريبية في العالم من حيث انخفاض معدلاتها، وسهولة متطلبات الالتزام بها، وذلك فقاً لما أظهرته أحدث الدراسات الصادرة عن شركة برايس ووتر هاوس كوبرز والبنك الدولي، التي صنفت دولة قطر في المرتبة الثانية والإمارات في المرتبة الرابعة والسعودية في المرتبة السابعة. وجاءت عُمان في المرتبة الثامنة والكويت في المرتبة 11 والبحرين 12.
أتوقع من مجلس الشورى أن يضع هذه الحيثيات نصب أعينه قبل أن يفتي بفرض الضريبة.