من ينتقدك بأمور سخيفة لا تؤخر ولا تقدم، هذا يعني أنه يعاني من مشكلة ما، قد لا يسعفك تفكيرك، لأنه في مثل هذه اللحظات تكون المشاعر، السلبية طبعا، طاغية عليك
من خبرة شخصية ومزعجة جدا أريد أن أفتح موضوع الانتقاد، ليس البناء طبعا، ولكن ذلك النقد الذي يرفع الضغط، ذاك النقد الذي يجعلك تريد أن تحمل ذاك الفرد من ياقته وترميه خارجا، ولكنك تمسك أعصابك، إما أن تبتسم ببلاهة وتتجاهل النقد وإما أن تبرر، بالرغم من أنه ليس من حق أي إنسان أن تبرر له وزنك أو مظهرك، خاصة أنك لم تتعدَ حدود المقبول في بيئة العمل، ولكن هنالك أفراد يحتاجون إلى من يجلس إليهم ويبدأ بنقدهم من رأسهم حتى أخامص أقدامهم، لا لشيء، فقط ليتعرضوا لبعض مما يجعلوننا نمر به! لنطرح بعض السيناريوهات:
تدخل إلى القاعة منشكح ترتدي ابتسامتك المعهودة التي طبعا لا تعجب أحدهم، فيردها إليك بكلمات نقد يقولها بكل براءة، لأن المسكين لا يريد لك سوى الخير، ما هذه الحبة التي على أنفك؟! وكأنك خرجت من البيت ولم تغسل وجهك وعلى الأقل لاحظت أن مساحة من أنفك قد احتلت! يبدو أن وزنك قد زاد! يا سلام! وكأنك لم تحارب في الصباح لكي ترتدي البنطال، ولاحظت بروزا أمامي لكرش طفيلية، إمبريالية تعدت على محيط جسدك وحرمتك من التمتع بالنظر إلى أصابع قدميك! أو أنك تجاهد في إغلاق أزارير القميص، فيطير هذا وينكسر ذاك، وتغير القميص متمنيا تغيير الجسد معه! ومن الذي لاحظ؟ طبعا أخينا المنتقد...البريء!
من منا لم يمر عليه يوم قام فيه شعر رأسه بالتمرد عليه، وحين تنظر إلى المرآة تظهر لك أن كل شعرة وكأنها حملت سلاحا موجها إلى جميع الاتجاهات، ولم لا؟! إن شعرك اليوم قرر أن يدافع عنك من مؤامرة لأصحاب أجندات خاصة في العمل، وإن شئت أم أبيت فلقد قرر إعلان الحرب! ومن رأس الحربة وأول من سيلاحظ؟... طبعا أخينا المنتقد...البريء! ما بال رأسك يبدو وكأن هنالك من أشعل مجموعة من المفرقعات بداخله؟! وهنا يثور دمك ويكاد يفرقع في وجهه! ولكنك تبتسم وتتلمس رأسك قائلا: أحقا! غريبة لم ألاحظ ! وأنت تتمنى أن تقول: ليتك تشاهد ما استحل رأسك، والذي يمكن أن يسمى أي شيء إلا شعرا! قلنا تتمنى، ولكنك تبتسم، ثم تقوم بجر قدميك جرا إلى أبعد مقعد يمكن أن تصل إليه.
هل ينتهي الأمر عند ذلك؟! أبدا! عيناك صغرتا، كبرتا، غاصتا، ضاقتا... وجهك أحمر، أصفر، تعبان، منتفخ، منشكح... يداك ترتجفان، خطواتك غير موزونة، ظهرك منحنٍ، خصرك ملتوٍ، صوتك مخنف، لسانك أبيض... بدلتك شيك لكن قلمك رخيص... ثوبك، غترتك، شماغك... وكأنك داخل إلى عرض أزياء أو مسابقة فنية ولم تكن تدري! نعم أنا أتحدث عن الرجل لأن ما قلته يحدث، ألا يكفينا أننا بتنا نرى قسما لمكياج الرجال في محلات الزينة والعطور؟! هل اعترض أحد؟! طبعا لا، لأنها حرية شخصية! حين نسمح بملابس ما يسمى اليونيسكس، وحين نرى أشباه الرجال يتمخترون في الأسواق بكل أريحية دون أن يوقفهم أحد، طبعا بحجة ليس لنا دخل، ولديه من يربيه، ولا نريد مشاكل! لا نستغرب أن يظهر عندنا من ينتقدنا في العمل لمظهرنا كما تنتقد النساء بعضهن البعض... ولو أن رسالتي غير التي أريد لها أن تصل لأفردت صفحات وصفحات لانتقادات النساء التي تجعلك تريد أن ترتدي بدلة الحرب ومن العصور الوسطى قبل أن تخطو خطوة واحدة خارج المنزل.. والغريب أن المنتقدات لا ينظرن في المرآة لكي يشاهدن أنهن تخلين عن أنثوتهن منذ زمن وأصبحن أقرب إلى الرجال بمعنى آخر...أشباه الرجال!
الزبدة هنا، من ينتقدك بأمور سخيفة لا تؤخر ولا تقدم، هذا يعني أنه يعاني من مشكلة ما، قد لا يسعفك تفكيرك، لأنه في مثل هذه اللحظات تكون المشاعر، السلبية طبعا، طاغية عليك، تحاول جاهدا أن تدعها تتحكم بلسانك كي لا تطلق تعليقات تقذف الذي أمامك بعرض الحائط وتلصقه هناك إلى أن تبرد وتعود إلى طبيعتك! المهم هنا أن تدرب نفسك على تحويل مثل طلقات كهذه إلى فشنك!
كيف نرد حين نشعر بالرغبة الملحة بأن نجرح من أمامنا، وأنا أتحدث عمن يؤذيك عن قصد أو دون قصد بسبب مشاعر سلبية أو مشاكل خاصة أو غيرة أو ضغوط عمل...المهم ألا تتخلى عن شخصيتك وكل ما عملت من أجله في ترويض النمر الذي بداخلك:
- لاحظ نفسيتك هل تجد أن لديك رغبة أو حاجة لأن تكون جارحا في ردودك.
- دائما حاور نفسك في مثل هذه اللحظات واسألها: لماذا تنتابني مشاعر سلبية وأشعر بأنني محتاج أن أحطم شيئا كي أرتاح، حتى وإن كان... إنسانا؟
- اعترف بألمك وحاول أن تفسره وتصل إلى أسبابه بدلا من أن تصب جام غضبك على غيرك... حتى وإن كان يستحق ذلك أحيانا.
- تذكر أن من أطلق التعليقات التي رفعت ضغضك قد يكون يحارب مشاكله الداخلية والنفسية، وفي كثير من الأحيان لا يعنيك أنت بالذات ولكنك كنت الذي ظهر أمامه في حينها، وإن قصد حاول أن تحدد التعليق هل يرتقي للرد عليه؟ هل سيؤثر على حياتك العملية أو الأسرية أو الاجتماعية؟ إن كانت الإجابة كلا، إذن لا تعر الأمر أي اهتمام وابتسم واكمل طريقك، وإن كان فيما قاله ما يؤثر أجب على قدر المعلومة ولا تحول الأمر إلى حرب شخصية!
أنا لا أقول إننا سوف نكون قادرين على أن نمسك أعصابنا دائما ولكننا أيضا نستطيع أن نروض أنفسنا على أن نضبطها.. ومرة عن مرة تصبح عادة ومن ثم تصبح سمة من سماتنا الشخصية، مما يجعل من لديه الرغبة في الانتقاد يبلع لسانه ويبتعد لأنه لن يجد من ذلك فائدة.. ببساطة إنها مسألة برمجة أوإعادة برمجة للدماغ وترتاح.. والآن ماذا عنيت اثنين في واحد ؟ إن لم تكن واضحة، هنالك حاجة، لي أنا طبعا، إلى إعادة البرمجة.