مع زميل دراستي والغربة القديم، كنت أناقش كيف فقد أطفالي الحصول على فرص تعليمية نوعية لأننا اخترنا هذه المدينة التي يبدو فيها التعليم نمطيا بلا خيارات. إما مدارس الحكومة بزحامها الشديد، وإما مدارس التعليم الخاص التي تتنافس فيما بينها بطريقة تجارية، وتستأجر لها أردأ أنواع المباني، وتستقدم لها كل من بقي في بلده بلا وظيفة. كنت أقول له: إن منطقة عسير بأكملها هي الفرصة الاستثمارية البكر لمن كان مستثمراً جاداً في تعليم نوعي، لأن في المنطقة طبقة وسطى عريضة الاتساع، ووعيا متناميا تواقا إلى تعليم لا يجده رغم القدرة على الدفع. كان صاحبي يرد على طلبي حول تعليم أطفالي بطريقته الهزلية، لأنه يرى أن كل جسد التعليم لدينا هنا أو هناك، في المدن الكبيرة أو الصغيرة، هي ذات العلب المصنعية المكررة من ذات خيط الإنتاج. هو يرى أن ولده في الرياض يدرس ذات أوراق ابني في أبها. نفس تاريخ ولادة الوليد بن عبدالملك ويوم وفاته، وذات تضاريس النيجر في مادة الجغرافيا، هو ذات أنواع الفعل وأصناف المفعول لأجله.
وبعيداً عن الخطوط الساخرة لتناول الفكرة، وأقول بالحرف الواضح إن هذا تعليم للفوضى، وهنا أنادي أن يكون لدينا نظام تعليمي أشبه بما أسميه جاداً بأن يكون (فوضى التعليم). وفوضى التعليم التي أقصدها هي أن يكون لنا رؤوس مختلفة لأنظمة التعليم، وكل أسرة تقرر لأولادها ما يرونه وما يريدونه من نظام التعليم. فوضى التعليم هي أن يكون لدينا عشرون منهجاً ومدرسة لا يربط بينها في المشترك إلا أساسيات وتعاليم الدين، وكذا التاريخ السياسي للأمة والوطن. أن تكون فوضى التعليم منهجاً متكاملا، حتى لا تكون مصنع إنتاج واحد يخرج منه الجميع بذات الدمغة.
فوضى التعليم هي ألا يكون التعليم مصانع دواجن بذات الوزن من الصوص، وبذات الحجم من البيضة. أن تعطي هذه الفوضى من الخيارات كل أب أن يختار لأولاده ما يرى أنه يتناسب مع مستقبلهم، ومع الخيارات التي يرى أنها تعزز مواهبهم، وتفرض إرادتهم الخلاقة:
ألا تتشابه هذه النماذج في المقررات، ولا في عدد الحصص وتوزيعها، ولا في نوع المناهج ومحتوياتها المختلفة.